(أَنْ يَبْلُغَ) إما في محل رفع على أنه نائب الفاعل ، أي ممنوعا بلوغ الهدي محل نحره المعتاد ـ وهو منى ـ وإما في محل جر على إسقاط الجار أي ممنوعا من أن يبلغ منحره ، فإن الكفار لم يتركوا المسلمين أن يبلغوا الهدي محله الذي يعتاده الناس بذبحه فيه ، (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) وقوله : (أَنْ تَطَؤُهُمْ) بدل من «رجال» و «نساء» وجواب «لولا» محذوف أي لولا إهلاك أناس مؤمنين في مكة ـ كالوليد وسلمة بن هشام ، وعياش بن ربيعة ، وأبي جندل ـ غير معروفين لكم فأصابه إثم إياكم من جهتهم من غير أن تعلموا أنهم مؤمنون مانع ، لما كف الله أيديكم عن كفار مكة ، ولسلطكم عليهم بالقتل عام الحديبية فإنكم إن قتلتم المؤمنين لزمتكم الكفارة ، وهو دليل الإثم بتقصيركم في عدم تمييز المسلم من الكافر ولزمكم تعيير الكفار لكم بأنكم فعلتم بإخوانكم ما فعلتم بأعدائكم (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) أي هم الذين كفروا ، الذين استحقوا التعجيل في إهلاكهم ، ولو لا مؤمنون مختلطون بهم لعجل الله بهم ، ولكن كف الله أيديكم عنهم لكي يكرم الله المؤمنين بزيادة الخير والطاعة لله تعالى والمشركين بدخولهم في دين الإسلام ، أي ليخرج المؤمنون من مكة ويهاجروا إلى المدينة ، وليؤمن من المشركين من علم الله أنه يؤمن في تلك السنة ، لأنهم إذا شاهدوا رحمة الله في شأن طائفة من المؤمنين بأن منع الله من تعذيب أعداء الدين بعد الظفر بهم لأجل اختلاطهم بهم رغبوا في مثل هذا الدين ، (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٢٥) أي لو تميز المؤمنون عن الكفرة وخرجوا من عندهم لعذبنا كفار مكة بتسليط المؤمنين عليهم بقتلهم ، وبسبي ذراريهم. (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) فـ «إذ» ظرف لـ «عذبنا» أي لعذبناهم حين جعلوا في قلوبهم التكبر ، تكبر الملة الجاهلية وهو منعهم رسول الله وأصحابه عن البيت الّذي الناس فيه سواء. وقالوا : إن المسلمين قتلوا أبناءنا وإخواننا ، ثم دخلوا علينا على إهانتهم إيانا ، واللات والعزى لا يدخلون مكة ، فهذا تكبر الجاهلية التي دخلت في قلوبهم ، (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ). وهذا عطف على «جعل» والمراد : تذكير حسن صنيع الرسول والمؤمنين ، وسوء صنيع الكفرة.
وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزل الحديبية بعثت قريش سهيل بن عمرو القرشي ، وحويطب بن عبد العزى ، ومكرز بن حفص بن الأحنف على أن يعرضوا على النبي صلىاللهعليهوسلم أن يرجع من عامه ذلك على أن تخلي له قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام ، وعلى وضع الحرب عشر سنين.
وقال البراء : صالحوهم على ثلاثة أشياء على أن من أتاهم من المشركين إلى المدينة مسلما ردوهم إليهم ، ومن أتاهم من المسلمين إلى مكة لم يردوه إلى المدينة ، وعلى أن يدخل النبي صلىاللهعليهوسلم مكة من عام قابل ، ويقيم فيها ثلاثة أيام ، وعلى أن يدخلها بسلاح. فقال صلىاللهعليهوسلم لعلي رضياللهعنه «اكتب ، بسم الله الرحمن الرحيم». فقالوا : ما نعرف هذا! اكتب باسمك اللهم. ثم قال صلىاللهعليهوسلم : «اكتب ، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة». فقالوا : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما