في التوراة (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ) و «مثلهم» مبتدأ ، وخبره «كزرع» ، فهذان مثلان كما ذهب إليه ابن عباس أي وصفتهم الكائنة في الإنجيل كزرع ، (أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ) ، أي مثل زرع أخرج فراخه ، فقوى الفراخ بكثافتها الزرع ، (فَاسْتَغْلَظَ) أي فصار الزرع غليظا بعد ما كان دقيقا ، (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) أي فاستقام الزرع على قصبه ، (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ). وهذا مثل صربه الله تعالى لأصحابه صلىاللهعليهوسلم في الإنجيل أنهم قلّوا في بدء الإسلام ، ثم كثروا فترقى أمرهم يوما فيوما بحيث أعجب الناس.
قيل : مكتوب في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ). وقال بعضهم : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) أبو بكر الصديق ، فإنه أول من آمن به. (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) : عمر بن الخطاب. (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) : عثمان بن عفان. (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) : علي بن أبي طالب. (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ) : بقية المبشرين بالجنة : طلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد ، وأبو عبيدة ، وعبد الرحمن. (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ). سلمان وبلال وصهيب وأصحابهم. (كَزَرْعٍ) : محمد. (أَخْرَجَ شَطْأَهُ) : أبابكر. (فَآزَرَهُ) : عمر (فَاسْتَغْلَظَ) عثمان بالإسلام (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) : علي بن أبي طالب أي استقام الإسلام بسيفه (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) أي المؤمنين (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) أي بقول عمر لأهل مكة بعد ما أسلم : لا يعبد الله سرا بعد اليوم.
روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أرحم أمتي أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأقضاهم علي ، وأفرضهم زيد ، وأقرؤهم أبيّ ، وأعلمهم بالحرام والحلال معاذ بن جبل ، ولكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح». ويقال : نزلت الآية من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ مَعَهُ) إلى هاهنا في مدحة أهل بيعة الرضوان ، وبعض أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم المخلصين لله وقوله تعالى : (لِيَغِيظَ) تعليل لمحذوف دل عليه تشبيههم بالزرع ، كأنه قيل : إنما قوّاهم الله تعالى وكثّرهم ليغيظ بهم الكفار ، أو تعليل لوعد الله الذين آمنوا إلخ ، لأن الكفار إذا سمعوا بعزة المؤمنين في الدنيا ، وبما أعد لهم في الآخرة غاظهم ذلك أشد غيظ ، أو تعليل محذوف دلّ عليه قوله تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) إلخ أي جعلهم الله تعالى بهذه الصفات الجليلة ليغيظ بهم الكفار. (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٢٩) وضمير «منهم» راجع للصحابة فـ «من» لبيان الجنس ، كلهم بتلك النعوت الجليلة أو للكفار فـ «من» للتبعيض.