لظهور التقوى ، ويقال : أولئك الذين أخلص الله قلوبهم للتوحيد ، وصفاها من المعصية ، (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٣).
قيل : لما جرى الكلام بين أبي بكر وعمر في تأمير القعقاع بن معبد ، أو الأقرع بن حابس على وفد بني تميم نزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) الآية ، ولما رفعا أصواتهما في تلك القضية نزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) الآية ، ولما خفضا أصواتهما بعد ذلك نزل (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ) الآية ، ولما دخل أعراب بني تميم المسجد ونادوا النبي صلىاللهعليهوسلم من وراء الحجرات أن اخرج إلينا فإن مدحنا زين وذمنا شين ، وكانوا سبعين رجلا قدموا لفداء ذراري لهم ، وكان النبي صلىاللهعليهوسلم نام للقائلة نزل : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) الآيتين.
وقال ابن عباس : بعث النبي صلىاللهعليهوسلم سرية إلى قوم من بني عنبر ، جماعة من خزاعة ، وأمر عليهم عينة بن حصن الفزاري ، فسار إليهم ، فلما بلغهم أنه خرج إليهم ، فروا ، وتركوا عيالهم وأموالهم فسبى ذراريهم ، وجاء بهم إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فجاءوا ليفادوا ذراريهم ، فدخلوا المدينة عند القيلولة ، فنادوا النبي صلىاللهعليهوسلم : يا محمد اخرج إلينا ، وكان نائما ، حتى أيقظوه من نومه ، فخرج إليهم ، فقالوا : يا محمد ، فادنا عيالنا ، فنزل جبريل عليهالسلام فقال : إن الله تعالى يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلا ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أترضون أن يكون بيني وبينكم شبرمة بن عمرو وهو على دينكم». فقالوا : نعم. فقال شبرمة : أنا لا أحكم وعمي عمرو شاهد ـ وهو الأعور ابن بسامة ـ فرضوا به. فقال الأعور : أرى أن تفادي نصفهم وتعتق نصفهم فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قد رضيت» ففادى نصفهم ، وأعتق نصفهم ، ولو صبروا لأعتق جميعهم بغير فداء ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٤) أي إن الذين يدعونك من خلف حجرات ، نسائك كلهم لا يعقلون ، إذ لو كان لهم عقل ، لما تحاسروا على سوء الأدب ، فكان لكل امرأة من نساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم حجرة ، ومناداتها من خارج الحجرات إما بأنهم أتوها حجرة حجرة فنادوه صلىاللهعليهوسلم من خارجها ، أو بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له ، فنادى كل واحد على حجرة (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) ولو ثبت صبرهم ، وانتظارهم إلى الصلاة حتى تخرج إليهم ، لكان الصبر حسنا لهم وخيرا من استعجالهم إيقاظك في الهاجرة ، ومما لو قرعوا الباب بالأظافر كما كان يفعل غيرهم من الصحابة ، ولو راعوا حسن الأدب ، وتعظيم الرسول لزادهم في الفضل ، فأطلق ذراريهم ونساءهم كلهم بلا فداء ، (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) لهؤلاء إن تابوا وأصلحوا. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) نزلت هذه الآية في الوليد بن عقبة أخي عثمان لأمه ، بعثه النبي صلىاللهعليهوسلم إلى بني المصطلق ليجيء بصدقاتهم ، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ، فلما سمعوا به تلقوه تعظيما لأمر رسول