والدعاء إلى حكم الله تعالى (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما) أي ظلمت (عَلَى الْأُخْرى) بأن أبت الإجابة إلى حكم كتاب الله تعالى (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) أي تظلم (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) أي حتى ترجع تلك الطائفة التي لم تقبل النصيحة إلى الصلح ، وهو مأمور به (فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) ، أي فإن رجعت إلى الصلح حذرا من قتالكم فاحكموا بينهما بعد تركهما القتال بالحق ، ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما ، عسى أن يكون بينهما قتال في وقت آخر ، (وَأَقْسِطُوا) أي واعدلوا في كل أمر ، (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٩) أي العادلين في كل ما يأتون ، وما يذرون فيفضي إلى أشرف درجة وأرفع منزلة ، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) في الدين (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) وإن لم تكن الفتنة عامة ، وإن لم يكن الأمر عظيما كالقتال ، بل لو كان بين رجلين من المسلمين أدنى اختلاف ، فاسعوا في الإصلاح.
وقيل المراد بالأخوين : الأوس والخزرج. وقرئ بين «إخوتكم وأخواتكم». (وَاتَّقُوا اللهَ) بالصون عن التشاجر ، فإن من اتقى الله شغله تقواه عن الاشتغال بغيره.
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده» (١). وقال صلىاللهعليهوسلم : «المؤمن من يأمن جاره بوائقه». (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٠) على تقواكم. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ) أي رجال منكم (مِنْ قَوْمٍ) آخرين منكم.
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس بن شماس ، حيث ذكر رجلا من الأنصار بسوء ذكر أم رجل كانت في الجاهلية.
وقال الضحاك : نزلت في وفد تميم كانوا يستهزئون بفقراء أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم مثل : عمار وخبيب ، وابن فهيرة ، وبلال ، وصهيب ، وسلمان ، وسالم مولى أبي حذيفة لما رأوا من رثاثة حالهم ، ومعنى الآية : لا تحتقروا إخوانكم ولا تستصغروهم (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) تعليل للنهي ، أي عسى أن يكون المسخور منهم خيرا عند الله تعالى من الساخرين ، (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ).
روي عن أنس أن هذه الآية نزلت في نساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، عيرن أم سلمة بالقصر. وروى عكرمة عن ابن عباس أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب قالت لها بعض نساء النبي صلىاللهعليهوسلم : يهودية بنت يهودي فنهاهنّ الله عن ذلك وقال : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) أي ولا تسخر نساء من المؤمنات من نساء منهن (عَسى أَنْ يَكُنَ) أي المسخور منهن (خَيْراً مِنْهُنَ) أي من الساخرات عند
__________________
(١) رواه أحمد في (م ٢ / ص ٢٢٤) ، والهيثمي في موارد الظمآن ٢٥ ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٣ : ٢٦٨) ، وابن حجر في فتح الباري (١ : ٥٤) ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (٢ : ٧٨).