فرجع سلمان إليهما فأخبرهما فقالا : كان عند أسامة ولكن بخل ، فبعثا سلمان إلى بعض الصحابة ، فلم يجد عندهم شيئا ، فلما رجع قالا : لو بعثنا سلمان إلى بئر سمحة لغار ماؤها ، فلما راحا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لهما : «ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما؟» (١) فقالا : ما تناولنا لحما في يومنا هذا! فقال صلىاللهعليهوسلم : «اغتبتما سلمان وأسامة» فنزلت هذه الآية ، ثم قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) أي من آدم وحواء ، ومن أب وأم ، فالكل سواء في ذلك ، فلا وجه للتفاخر بالنسب ، (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) وطبقات النسل التي عليها العرب سبعة : الشعب ، والقبيلة ، والعمارة ، والبطن ، والفخذ ، والفصيلة ، والعشيرة. وكل واحد يدخل فيما قبله ، فالعشائر تحت الفصائل ، وهي تحت الأفخاذ ، وهي تحت البطون ، وهي تحت العمائر ، وهي تحت القبائل ، وهي تحت الشعوب. فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصي بطن ، وعبد مناف فخذ ، هاشم فصيلة ، والعباس عشيرة. (لِتَعارَفُوا) أي ليعرف بعضكم بعضا بأصل الإنسان فلا ينتسب أحد إلى غير آبائه لا لتتفاخروا بالآباء والقبائل ، ولا لتدعوا التفاوت في الأنساب ، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ).
قال صلىاللهعليهوسلم : «من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله» (٢). وعن ابن عباس قال : كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى.
قال الرازي : سمعت أن بعض الشرفاء في بلاد خراسان كان في النسب أقرب الناس إلى علي رضياللهعنه ، غير أنه كان فاسقا ، وكان هناك مولى أسود تقدم بالعلم والعمل ، ومال الناس إلى التبرك به ، فاتفق أنه خرج يوما من بيته يقصد المسجد ، فاتبعه خلق ، فلقيه الشريف سكران ، وكان الناس يطردون الشريف ويبعدونه عن طريقه ، فغلبهم وتعلق بأطراف الشيخ. وقال له : يا أسود الحوافر والشوافر ، يا كافر بن كافر ، أنا ابن رسول الله أذل ، وتجل ، وأذم وتكرم ، وأهان وتعان ، فهمّ الناس بضربه. فقال الشيخ : لا ، هذا محتمل منه لجده ، وضربه معدود بحده ، ولكن يا أيها الشريف بيّضت باطني وسوّدت باطنك ، فيرى الناس بياض قلبي فوق سواد وجهي ، فحسنت وأخذت سيرة أبيك وأخذت سيرة أبي ، فرآني الخلق في سيرة أبيك ورأوك في سيرة أبي ، فظنوني ابن أبيك وظنوك ابن أبي ، فعملوا معك ما يعمل مع أبي وعملوا ما يعمل مع أبيك. (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بأنسابكم وبأعمالكم. (خَبِيرٌ) (١٣) ببواطن أحوالكم ، لا تخفى عليه أسراركم ، فاجعلوا التقوى عملكم وزيدوا في التقوى.
__________________
(١) رواه القرطبي في التفسير (١٦ : ٣٣١).
(٢) رواه العجلوني في كشف الخفاء (١ : ٣٧٣) ، وابن عدي في الكامل في الضعفاء (٧ : ٢٥٦٥).