بريء من الشرك يقول الله تعالى لهم : (ادْخُلُوها) أي الجنة (بِسَلامٍ) أي بسلامة من عذاب الله تعالى أو بسلام على من فيها ، فلا تتركوا حسن عادتكم (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) (٣٤) ، أي ذلك الزمان يوم خلود أهل الجنة في الجنة ، (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) من فنون المطالب (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) (٣٥) هو ما لا يخطر ببالهم ولا يندرج تحت مشيئتهم من معالي الكرامات.
وقيل : إن السحابة تمر بأهل الجنة فتمطرهم الحور ، فتقول : نحن المزيد الذي قال تعالى : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ). (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) أي قبل قومك (مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ) أي من قومك (بَطْشاً) أي قوة (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) أي خرقوا فيها وجالوا في أكناف الأرض كل مجال حذر الموت ، (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) (٣٦) أي هل لهم مخلص من أمر الله تعالى ، (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي في إهلاكهم (لَذِكْرى) أي لعظة (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) أي قلب واع سليم ، يتفكر في الأمور كما ينبغي بذكائه ، (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) إلى ما يتلى عليه من الوحي الدال على ما جرى عليهم ، (وَهُوَ شَهِيدٌ) (٣٧) أي حاضر بفطنته لأن من لا يحضر ذهنه ، فكأنه غائب (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من أصناف المخلوقات (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أولها : يوم الأحد ، وآخرها : يوم الجمعة (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) (٣٨) ، أي وما أصابنا من تعب. قيل : هذه الآية نزلت في اليهود حيث قالوا : خلق الله السموات والأرض في ستة أيام أولها : الأحد ، وآخرها : الجمعة ، ثم استراح يوم السبت ، واستلقى على العرش. فأنزل الله هذه الآية تكذيبا لهم : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من حديث التعب بالاستلقاء.
قال الرازي : والأقرب والظاهر أن المراد بهذه الآية الرد على المشرك في إنكار البعث والاستدلال بخلق السموات والأرض ، وما بينهما في إثبات البعث ، وعلى هذا فالمعنى فاصبر على ما يقولون : هذا شيء عجيب أي هذا الذي يقول محمد نبعث بعد الموت شيء عجيب (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) (٤٠) أي نزه الله تعالى عن الشرك ، وعن العجز الممكن الذي هو البعث ، وذكّرهم بعظمة الله تعالى في وقت اجتماعهم ، وهو قبل الطلوع ، وقبل الغروب وأول الليل أي عقب سجودك نزه ربك بالبرهان عند اجتماع القوم ليحصل لك العبادة بالسجود والهداية أدبار السجود ولا تسأم من تكذيبهم إياك وامتناعهم من استماع وعظك. ويقال : صل حامدا لربك الصلوات الخمس والنوافل بعد المكتوبات وشغل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمران : عبادة الله وهداية الخلق ، فإذا هداهم ولم يهتدوا. قيل له : أقبل على شغلك الآخر وهو عبادة الله ، واجعل كلامك بدل الدعاء عليهم التسبيح لله والحمد له.
وقرأ نافع وابن كثير وحمزة «إدبار» بكسر الهمزة والباقون بالفتح. (وَاسْتَمِعْ) لما يوحى إليك من أحوال القيامة (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (٤١) بحيث يصل نداؤه إلى الكل على سواء