أيها الكافرون ففي أنفسكم آيات تكفرون بها لحب الرئاسة ، وحطام الدنيا ، وفي السماء الأرزاق ، فلو تأملتم حق التأمل لما تركتم الحق لأجل الرزق ، فإنه واصل إليكم بكل طريق ، ولاجتنبتم الباطل اتقاء لما توعدون من العذاب النازل من السماء ، فأسباب الرزق من المطر والرياح ، والحر والبرد ، وغير ذلك مما هيّأ الله تعالى به لمنافع العباد هي من جهة العلو ، (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٢٣) ، أي إن ما ذكر من أمر الرزق والوعد بالثواب ، والعقاب لحق مثل نطقكم ، فكما لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي لكم أن تشكوا في حقيقة ذلك.
وقرأ حمزة والكسائي وشعبة «مثل» بالرفع. والباقون بالنصب لإضافته إلى مبني وهو «أنكم» ، و «ما» مزيدة. (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) (٢٤) أي ألم يأتك حديث ضيف إبراهيم الذي أكرمهم بخدمته لهم ، وبالعجل.
قال عثمان بن محصن : كانوا أربعة من الملائكة : جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل أخرجه أبو نعيم. (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) أي إبراهيم ظرف للحديث أو لما في الضيف من معنى الفعل ، أو للمكرمين إن فسر بذلك المذكور. (فَقالُوا سَلاماً) أي نسلم سلاما أو نبلغك سلاما ، (قالَ) أي إبراهيم : (سَلامٌ) أي سلام عليكم أو جوابه سلام أو أمري سلام ، بمعنى مسالمة لا تعلق بيني وبينكم ، لأني لا أعرفكم ، أو قولكم سلام يدل على السلامة. وقرئا مرفوعين. وقرأ حمزة والكسائي «سلما» بكسر السين وسكون اللام بالنصب. (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) (٢٥) قال ابراهيم ذلك في نفسه ـ كما قاله ابن عباس ـ والمعنى : هؤلاء قوم غرباء لا أعرفهم وإنما أنكرهم إبراهيم عليهالسلام ، لأنهم ليسوا ممن عرف من الناس (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) أي ذهب إبراهيم إلى أهله في سرعة على خفية من ضيفه (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) (٢٦) ، أي فذبح فتى من أولاد البقر ، فحنذه ، فجاء به إلى أضيافه (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) بأن وضعه عندهم ليأكلوا ، فلم يأكلوا. (قالَ) أي إبراهيم : (أَلا تَأْكُلُونَ) (٢٧) من الطعام! (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) أي فأضمر في نفسه خيفة منهم لظن أنهم لصوص ، فلما عرفوا خوف إبراهيم (قالُوا لا تَخَفْ) منا يا إبراهيم إنا رسل ربك. قيل : مسح جبريل العجل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه ، فعرفهم ، وأمن منهم ، (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) (٢٨) أي بولد عليم في صغره حليم وهو : إسحاق أو إسماعيل كما قاله مجاهد ، (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) أي أقبلت سارة على أهلها صائحة ، لأنها كانت في خدمتهم ، فلما تكلموا مع زوجها بولادتها استحيت ، وأعرضت عنهم (فَصَكَّتْ وَجْهَها) أي لطمته من الحياء ، كما جرت عادة النساء عند الاستحياء ، أو التعجب (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) (٢٩). أي قالت سارة : أنا عجوز عاقر فكيف ألد؟ (قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) أي قالت الملائكة ، حكم ربك في الأزل مثل ذلك القول الذي أخبرناك به يا سارة فلا تعجبين منه ، فـ «كذلك» منصوب بـ «يقال»