و «يوم» إما ظرف لقول مقدر بعده ، أي يوم يدفعون إليها دفعا عنيفا يقال لهم : (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) (١٤) في الدنيا. وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ، ثم يدفعون دفعا على وجوههم وزجا أقفيتهم ويقولون لهم توبيخا : (هذِهِ النَّارُ) إلخ. وإما بدل من يومئذ والمعنى : فويل يوم يقع العذاب للمكذبين وهو يوم يدعون أي المكذبون إلى النار والعامة على فتح الدال وتشديد العين مضمومة.
وقرأ علي والسلمي وأبو رجاء ، وزيد بن علي بسكون الدال وفتح العين فيكون دعا حالا من الواو ، أي يوم ينادون مدعوين بأن يقال لهم : هلموا إلى نار جهنم فادخلوها وتقول لهم الخزنة : هذه النار ، (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) (١٥)؟ أي فهذا العذاب الذي ترونه سحر كما كنتم تقولون في الدنيا للأنبياء هم سحرة أم أنتم عمي عن المخبر عنه كما كنتم عميا عن الخبر ، أي هل في المرئي شك أم هل في بصركم خلل؟ فالذي ترونه حق وقد كنتم تقولون إنه ليس بحق. (اصْلَوْها) أي ادخلوا النار وقاسوا شدائدها ، (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) أي فافعلوا ما شئتم من الصبر على عذاب النار وعدمه ، (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) أي صبركم عليه وتركه سواء عليكم في عدم النفع (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٦) ، فإن الجزاء حيث كان واجب الوقوع بحسب الوعد كان الصبر وعدمه سواء في عدم النفع ، (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) (١٧) دائم (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) ، أي متلذذين بما أعطاهم ربهم.
وقرأ الحسن وغيره «فكهين» بغير ألف ، أي معجبين وقرئ «فاكهون» على أنه خبر إن أي ذوو فاكهة كثيرة بسبب إعطاء ربهم إياهم تلك ، (وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) (١٨) عطف على ما آتاهم أي إنهم ناعمون بأمرين بما آتاهم ربهم ، وبأنه وقّاهم ، أو عطف على «في جنات». فالمعنى إن المتقين أدخلهم ربهم جنات ونعيما ووقاهم عذاب الجحيم فيقول الله لهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) أي بلا تعب في تحصيل الطعام والشراب ، وبلا داء في تناولهما وبلا خوف نفاد وبلا إثم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٩) فلا من عليكم في هذا اليوم وإنما منتي عليكم في الدنيا إذ هديتكم ووفقتكم للأعمال الصالحة لأن هذا إنجاز الوعد ، (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) حال من الضمير المستكن في خبر إن أي كائنون في جنات حال كونهم متكئين على نمارق على سرر موصولة بعضها إلى بعض (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) (٢٠) أي بنساء بيض عظام الأعين. فقوله تعالى : (وَزَوَّجْناهُمْ) عطف على خبر «إن» وهو إشارة إلى أن المزوج هو الله تعالى يتولى الطرفين يزوّج عبيده بإمائه ، ومن يكون كذلك لا يفعل إلّا ما فيه راحة العبيد والإماء فهو إشارة إلى أن الحور العين في الجنات مملوكات بملك اليمن لا بملك النكاح ، وإنما عدي بالباء إشارة إلى أن المنفعة في التزويج هنا للرجال فقط وإنما زوجوا للذتهم بالحور لا للذة الحور بهم ، وأيضا إن في التزويج معنى الإلصاق ، وفي الباء كذلك ، فكأن المعنى جعلناهم ملصقين بحور من غير عقد منهم.