محمد عن الأنوار وما طلب شيئا غيرها ، بل اشتغل بمطالعتها مع أن في ذلك العالم من العجائب ما يحير الناظر ، (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) (١٨) أي والله لقد رأى من عجائب الملك والملكوت ما لا تحيط به العبارة (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (٢٠) أي ومناة المتأخرة الذليلة ، أي الوضيعة المقدار. وذلك لأن اللات كان وثنا على صورة آدمي وهو لثقيف بالطائف أو لقريش بنخلة والعزى صورتها صورة شجرة سمرة لغطفان ، ومناة صورتها صورة صخرة كانت لخزاعة ولهذيل بقديد. فالآدمي أشرف من النبات ، وهو أشرف من الجماد وهو متأخر ، فالمناة في أخريات المراتب. والمعنى : لما ذكر الله تعالى عظمة آياته في ملكوته وهي أن رسول الله إلى الرسل الذي يسد الآفاق ببعض أجنحته ، ويهلك المدائن بقوته لا يمكنه أن يتعدى السدرة في مقام جلال الله وعزته. قال : أفرأيتم هذه الأصنام مع حقارتها شركاء الله مع ما تقدم ويقال : أفتظنون أن عبادتكم اللات والعزى الأخرى ، ومناة الثالثة في الدنيا تنفعكم في الآخرة. (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (٢٢) أي كيف جعلتم لله تعالى بنات وقد اعترفتم في أنفسكم أن البنات ناقصات والبنين كاملون ، والله كامل العظمة ، فكيف جعلتموه ناقصا ونسبتم إلى أنفسكم الكامل ، فنسبتكم البنات إلى الله تعالى قسمة جائزة على طريقتكم حيث نسبتم إلى أنفسكم الأعظم من الثقلين ، وأبغضتم البنات ونسبتموهن إلى الأعظم وهو الله تعالى ، وكان على عادتكم أن تجعلوا الأعظم للعظيم وإلا نقص للحقير ، فإذا أنتم خالفتم الفكر والعقل والعادة التي هي لكم ، (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) أي ما هذه الأصنام المذكورات إلّا أسماء خالية عن المسميات وضعتموها أنتم وآباؤكم فإنكم قلتم : إنها آلهة وليست بآلهة (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي ما أنزل الله بهذه الأسماء من حجة فوضع الاسم لا يجوز إلّا بدليل نقلي أو عقلي ، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) أي ما يتبع الكافرون في تسمية الأصنام آلهة إلا توهم أن ما هم عليه حق ، وإلّا ما دونه مما تشتهيه أنفسهم الأمارة بالسوء (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) (٢٣) أي البيان بالكتاب المنزل والمرسل أن الأصنام ليست بآلهة ، وأن العبادة لا تصلح إلّا لله الواحد القهار (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) (٢٤) أي الإنسان ما اشتهاه من شفاعة الأصنام وغيرها أو هل له أن يعبد بالاشتهاء فيعبد ما لا يستحق العبادة! (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) (٢٥) أي إن اختار الإنسان معبودا على ما اشتهاه فيعاقبه على فعله في الدنيا وإلّا فيعاقبه في الآخرة (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) (٢٦) أي وكثير من الملائكة مع علو منزلتهم لا تنفع شفاعتهم شيئا إلّا من بعد أن يأذن الله في الشفاعة فيمن يشاء ويرضى ، وهو العابد الشاكر ، لا المعاند الكافر ، فإذا كان حال الملائكة في باب الشفاعة كما ذكر فكيف تقبل شفاعة الجمادات ، (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي بأحوال يوم القيامة (لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) (٢٧) ومناسبة هذه الآية لما قبلها هي أنهم لما بين لهم أن أعظم أجناس الخلق لا شفاعة لهم إلّا بالإذن قالوا : نحن لا نعبد