تكون «إن» نافية ، أي ما كنا فاعلين اتخاذ اللهو لعدم إرادتنا به. (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) ، أي يذهبه بالكلية ، كما فعلنا بأهل القرى المحكية ، (فَإِذا هُوَ) أي الباطل (زاهِقٌ) أي ذاهب بالكلية وهذا انتقال من إرادة اتخاذ اللهو إلى تنزيه ذاته تعالى ، كأنه تعالى قال : سبحاننا أن نريد اتخاذ اللهو ، بل شأننا بمقتضى حكمتنا ، أن نغلب اللعب بالجدّ ، وندحض الباطل بالحق. والمقصود من هذه الآية ، تقرير نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ورد على منكريها ، لأنه تعالى أظهر المعجزة عليه صلىاللهعليهوسلم فإن كان محمد كاذبا كان إظهار الله المعجزة عليه من باب اللعب ، وذلك منفي عنه تعالى ، وإن كان صادقا فهو المطلوب ، وحينئذ يفسد كل ما ذكروه من المطاعن ، (وَلَكُمُ الْوَيْلُ) أي ولكم يا كفار مكة شدة العذاب ، (مِمَّا تَصِفُونَ) (١٨). أي من أجل قولكم بتكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ونسب القرآن إلى أنه سحر وأضغاث أحلام ، إلى غير ذلك من الأباطيل. وهذه الآية دالة على أن إهلاك الله أهل القرية لتكذيبهم الرسل عدل منه تعالى ، ومجازاة على ما فعلوا. (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فهو تعالى منزّه عن طاعتهم ، لأنه تعالى هو المالك لجميع المحدثات (وَمَنْ عِنْدَهُ) أي والملائكة مع كمال شرفهم ، ونهاية جلالتهم ، (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) أي لا يتعظمون عن طاعته تعالى ، ولا يعدّون أنفسهم كبيرا فكيف يليق بالبشر مع نهاية الضعف ، التمرّد عن طاعته ، (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) (١٩) أي لا يسأمون ولا يتعبون. (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢٠) أي ينزهونه تعالى في جميع الأوقات ، فكما أن اشتغالنا بالتنفس لا يمنعنا من الكلام ، فكذا اشتغالهم بالتسبيح لا يمنعهم من سائر الأعمال. (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) (٢١). فـ «أم» بمعنى : بل ، والهمزة ، ومعناها إنكار انشار الأصنام للموتى ، لا إنكار نفس الاتخاد فإقدامهم على عبادتها ، يوجب عليهم الإقرار ، بكون الآلهة قادرين على الحشر ، والنشر ، والثواب ، فإذا كانوا عير قادرين على أن يحيوا ويميتوا ، ويضرّوا وينفعوا ، فأيّ عقل يجوز اتخاذهم آلهة ، فقوله : (مِنَ الْأَرْضِ) كقولك : فلان من مكة ، أي فلان مكي ، فمعنى نسبة الأصنام إلى الأرض ، إعلام بأن الأصنام التي تعبد إما أن تكون منحوتة من بعض الحجارة ، أو معمولة من بعض جواهر الأرض. وفي قوله تعالى : (هُمْ يُنْشِرُونَ) معنى الخصوصية ، وحاصل المعنى بل أعبد أهل مكة آلهة أرضية لا يقدر على إحياء الموتى من القبور إلّا هم وحدهم ، فذكر ذلك على سبيل التهكم بهم والتجهيل. (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) أي لو تولى أمور السموات والأرض إله غير الواحد الذي هو فاطرهما ، لبطلتا بما فيهما جميعا ، وحيث انتفى فسادهما علم انتفاء تدبير إلهين ، ويدلّ العقل على ذلك ، لأنّا لو قدرنا إليهن لكان أحدهما إذا انفرد صحّ منه تحريك الجسم ، وإذا انفرد الثاني صحّ منه تسكينه ، فإذا اجتمعا وجب أن يبقيا على ما كانا عليه وقت الانفراد ، فيصحّ أن يحاول أحدهما التحريك ، والآخر التسكين ، فإما أن يحصل المرادان وهو محال لاجتماع الضدين ، وإما أن يمتنعا ، وهو محال أيضا لكون كل واحد منهما