برفع الراء ولا تثبت الياء في الرسم ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٢٥) أي أبتلك النعم من خلق مواد السفن وأسباب لا يقدر على خلقها غيره تعالى أم بغيرها. (كُلُّ مَنْ عَلَيْها) أي على الأرض من الحيوانات والمركبات ، (فانٍ) (٢٦) أي هالك لا محالة (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) أيها السامع ، أي ذاته عزوجل (ذُو الْجَلالِ) أي العظمة التي لا يسعها عقل (وَالْإِكْرامِ) (٢٧) ، أي الفضل التام فالجلال مرتب على فناء غير الله تعالى والإكرام مرتب على بقائه تعالى. وقال صلىاللهعليهوسلم : «الظوا بيا ذا الجلال والإكرام». أي الزموا في الدعاء ذلك.
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم مر برجل وهو يصلي ويقول : يا ذا الجلال والإكرام فقال : «قد استجيب لك» ، والعامة على «ذو» بالواو صفة لوجه. وقرأ أبي وعبد الله «ذي» بالياء صفة لـ «رب» (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٢٨) أي أبتلك النعم من دفع البلاء ، وإبقاء ما هو مخلوق إلى وقت فنائه أم بغيرها (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيسأله كل أحد ما يحتاج إليه في دينه فكل أحد عاجز عن تحصيل ما يحتاج إليه ويسأله كل أحد عن عاقبة أمره ، وعما فيه صلاحه وفساده فكل أحد جاهل بما عند الله من المعلومات ، فالوجه الأول إشارة إلى كمال القدرة. والوجه الثاني إشارة إلى كمال العلم (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢٩) أي كل وقت من الأوقات هو تعالى في شأن يغفر ذنبا ويفرج كربا ، ويرفع من يشاء ، ويضع من يشاء كما هو مروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم. ويقال : يحتمل أن يكون هو عائدا إلى يوم و «كل يوم» ظرف ليسأله ، أي يقع سؤالهم كل يوم هو في شأن يتعلق بهم فيطلبون ما يحتاجون إليه أو يستخرجون أمره بما يفعلون فيه ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٠) مع مشاهدتكم لإحسانه تعالى ، أبتلك النعم أم بغيرها ، (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (٣١)؟ أي سنقصد لحسابكم وجزائكم أيها الجن والإنس ، أي سندبر لكم أمر الآخرة من الأخذ في الجزاء وإيصال الثواب والعقاب إليكم بعد تدبيرنا لأمر الدنيا بالأمر والنهي ، والإماتة والإحياء ، والمنع والإعطاء.
وقرأ حمزة والكسائي «سيفرغ» بالياء على الغيبة. وقرئ بالبناء للمفعول. وقرئ «سنفرغ إليكم» وترسم «أيه» بغير ألف. وقرأ أبو عمرو والكسائي بالألف في الوقف. والباقون بتسكين الهاء. وقرأ ابن عامر برفع الهاء في الوصل والباقون بالفتح ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٢) أبتلك النعم من التنبيه على ما سيلقونه يوم القيامة للتحذير عما يؤدي إلى سوء الحساب أم بغيرها. (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) أي يا جماعة الجن والإنس إن قدرتم أن تخرجوا من أطراف السموات والأرض ، وأن تهربوا من قضائي وملكي ، فاخرجوا منها ، وخلّصوا أنفسكم من عقابي (لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) (٣٣) أي ما تنفذون إلّا ومعكم سلطان الله ، أي فلا مهرب لكم ولا مخرج عن ملك الله تعالى ، وأينما توليتم فثمّ ملك الله وأينما أتاكم حكم الله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٤) أبتلك النعم من دفع البلاء وتأخير العذاب عن العصاة أم بغيرها ، (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ) أي لهب خالص لا دخان فيه (مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) أي دخان لا لهب معه يسوقانكما إلى المحشر.