أول قدومهم فما ظنك بما لهم بعد استقرارهم في النار ، (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ) (٥٧) بالبعث (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) (٥٩)؟ أي هل تشكون في أن الله خلقكم أولا أم لا؟ فإن لم تشكوا في ذلك فهلا تصدقون أيضا بخلقكم ثانيا ، فإن من خلقكم أولا من لا شيء لا يعجز أن يخلقكم ثانيا من أجزاء معلومة عنده ، فأخبروني أيّ شيء هو تصبون في أرحام النساء من المني إن كنتم تشكون وتقولون : الخلق لا يكون إلّا من مني وبعد الموت لا مني ، أفهذا المني أنتم تخلقونه ، أم الله فإن كنتم تعترفون بقدرة الله وإرادته وعلمه ، فذلك يلزمكم القول بجواز البعث وصحته ، (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) أي وقتنا موت كل أحد بوقت معين. وقرأ ابن كثير بتخفيف الدال أي سوّينا بينكم بالموت فتموتون كلكم ، (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) أي لا يغلبنا أحد على أن نذهبكم ، ونأتي مكانكم أشباهكم من الخلق ، أي وما نحن عاجزون عن خلق أمثالكم وإعادتكم بعد تفرق أوصالكم ، (وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) (٦١) أي إنا قادرون على أن نخلقكم في صور لا تعلمونها في جنسكم ، ويقال : أن نجعل أرواحكم يوم القيامة فيما لا تصدقون وهي النار. وقال بعضهم : أنجعل أرواحكم في حواصل طير تكون ببرهوت كأنها الزرازير كما أخرجه ابن أبي حاتم. (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى) أي الخلق الأول في بطون الأمهات وهو من نطفة ثم من علقة ، ثم من مضغة ، (فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) (٦٢) أي فهلا تتعظون بأن من قدر على النشأة الأولى قدر على النشأة الأخرى حتما.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الشين في النشأة ، وبألف بعدها فهمزة. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بتخفيف الذال في «تذكرون». والباقون بالتشديد. وقرئ «تذكرون» من الثلاثي. وفي الخبر : «عجبا كل العجب للمكذب بالنشأة الآخرة وهو يرى النشأة الأولى وعجبا للمصدق بالنشأة الآخرة وهو يسعى لدار الغرور». (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) (٦٣) أي أخبروني يا أهل مكة ما تبذرون من الحبوب (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (٦٤) ، أي أأنتم تنبتونه! بل نحن المنبتون لا أنتم ، (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) أي لجعلنا الزرع متكسرا يابسا بعد خضرته ، وقبل ظهور الحب ، أي إن قلتم : نحن نلقي البذر في الأرض وهو بنفسه يصير زرعا لا بفعلنا ولا بفعل غيرنا ، قال تعالى : ولو سلم لكم هذا الباطل فما تقولون في سلامة الزرع عن الآفات فيفسد قبل اشتداد الحب فهل تدفعون الآفات عنه ، أو هذا الزرع بنفسه يدفعها عن نفسه كما تقولون إنه بنفسه ينبت؟ (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) (٦٥) أي فصرتم تعجبون من يبسه بعد خضرته. وقرئ «فظلتم» بكسر الظاء و «فظلتم» على الأصل بكسر اللام. وقرئ «تفكهون» أي تتندمون على ما أنفقتم عليه قائلين : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) (٦٦) أي إنا لمعذبون بالجوع بهلاك الزرع ، أو إنا لمكرهون بالغرامة. وقرأ شعبة أإنا على الاستفهام (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٦٧) أي ممنوعون منفعة زروعنا ، (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي