تَشْرَبُونَ) (٦٨) عذبا فراتا ، (أَأَنْتُمْ) يا أهل مكة (أَنْزَلْتُمُوهُ) عليكم (مِنَ الْمُزْنِ) أي السحاب الثقيل بالماء ، (أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) (٦٩) أي بل نحن المنزلون عليكم لا أنتم (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ) أي ذلك الماء (أُجاجاً) ، أي حارا أو مرا من شدة الملوحة ، (فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ) (٧٠) أي فهلا تشكرون على هذه النعمة التامة ، فإن النعمة لا تتم إلا عند الأكل والشرب ، وذلك لأن الإنسان إذا كان في البراري التي لا يوجد فيها الماء لا يأكل شيئا مخافة العطش. (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) (٧١) أي تقدحونها عن كل عود غير العناب وهو الشجر الأحمر ، (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها) أي الشجرة التي تصلح لإيقاد النار (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) (٧٢) أي بل نحن المنشئون لها بقدرتنا لا أنتم؟ (نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) لنار جهنم فيجب على العاقل إذا رأى النار الموقدة أن يخشى عذاب الله أو تذكرة لصحة البعث ، لأن من قدر على إيداع النار في الشجر الأخضر لا يعجز عن إيداع الحرارة الغريزية في بدن الميت ، (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) (٧٣) أي منفعة للذين ينزلون القوى وهي القفر البعيدة من العمران ، وهم الذين أوقدوا النار ، لأنهم أحوج إلى النار في الليل لتهرب السباع ويهتدي الضال ، (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤) ولا تقل لغير الله تعالى انه إله فإن الاسم يتبع المعنى والحقيقة ، أي إن الكفار اعترفوا بأن الأمور من الله ، وإذا طولبوا بالوحدانية قالوا : نحن لا نشرك في المعنى وإنما نتخذ أصناما آلهة في الاسم ، ونسميها آلهة والله هو الذي خلقها ، فنحن ننزهه تعالى في الحقيقة فقال تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أي فكما أنت أيها العاقل اعترفت بعدم اشتراك الله مع غيره في الحقيقة اعترف بعدم اشتراكهما في الاسم. (فَلا أُقْسِمُ) قيل : «لا» مزيدة مؤكدة. وقيل : الأصل فلانا أقسم ، فحذف المبتدأ ، وأشبعت فتحة لام الابتداء ، ويعضده قراءة من قرأ «فلأقسم» بلام التأكيد. وقيل : إن «لا» نافية ، رد لكلام يخالف المقسم عليه ، والتقدير : والله لا صحة لقول الكفار أقسم (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (٧٥) أي بمواضعها في السماء في منازلها.
وقرأ حمزة والكسائي «بموقع النجوم» بسكون الواو ، أي بموضع سقوطها عند غروبها (وَإِنَّهُ) أي إن القسم بها (لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (٧٦) ، أي لو تعلمون عظمة القسم لعظمتم هذا القسم ، لكنكم ما عظمتونا ، لأنكم لا تعلمون ولا وقف هنا ، لأن القسم وقع على ما بعده ، (إِنَّهُ) أي إن الكلام الذي أنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم (لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (٧٧) أي كثير النفع لاشتماله على إصلاح المعاش والمعاد ، (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) (٧٨) أي في كتاب محفوظ عن الباطل ، وهو المصحف ، الذي في أيدينا ، (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (٧٩) أي لا يمس ذلك الكتاب إلّا المطهرون من الأحداث ، أي يحرم عليهم مسّه بدون الطهارة. وهذه الجملة صفة ثانية لـ «كتاب» ، فالخبر بمعنى النهي ويؤيد هذا قراءة عبد الله بن مسعود «ما يمسه» بـ «ما» النافية. وروى مالك وغيره أن كتاب عمرو بن حزم ، وهو من أهل الظاهر لا يمس القرآن إلّا طاهر.