(مَأْواكُمُ النَّارُ) أي منزلكم النار ، (هِيَ مَوْلاكُمْ) أي هي موضعكم الذي تصلون إليه (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٥) ، أي بئس المرجع هذه النار. (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ)؟ قرأ نافع وحفص والمفضل عن عاصم بتخفيف الزاي ، والمعنى : ألم يجيء وقت أن تخشع قلوب المؤمنين لذكرهم الله ، ولما نزل من القرآن ، وينقادوا لأوامره ونواهيه انقيادا تاما. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بتشديد الزاي ، أي ولما نزّله الله من القرآن. وعن أبي عمرو «نزل» مبنيا للمفعول. وقرأ الحسن البصري «ألم يئن» بكسر الهمزة وسكون النون. وقرأ الحسن «ألما يأن» ، وعن الأعمش قال : إن الصحابة لما قدموا المدينة أصابوا لينا في العيش ورفاهية ، ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا بهذه الآية. (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ) ، أي هذا إما معطوف على «تخشع» ، فـ «لا» نافية ، أي وألم يأن وقت أن لا يكونوا كاليهود والنصارى من قبل ما نزل إليكم ، والمراد نهي المؤمنين عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب ، بعد أن وبخوا ، وذلك أن بني إسرائيل كان الحق يحول بينهم وبين شهواتهم ، وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله ورقت قلوبهم ، وإما جزم «بلا» الناهية ، ويدل على هذا الوجه قراءة من قرأ بالتاء على سبيل الالتفات ، (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) أي طالت المدة بينهم وبين أنبيائهم. وقيل : أي طالت أعمارهم في الغفلة. وقيل : طال عليهم الزمان بطول الأمل.
وقال ابن عباس : أي مالوا إلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ الله. وروي عن ابن كثير الأمد بتشديد الدال ، أي الوقت الأطول فزالت عنهم الروعة التي كانت تأتيهم من الكتابين. (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) للمواعظ بسبب الطول (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (١٦) ، أي خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين من أجل فرط قسوتهم. وهذا إشارة إلى أن عدم الخشوع في أول الأمر يفضي إلى الفسق في آخر الأمر ، (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي أن الله يلين القلوب بالخشوع ـ الناشئ عن الذكر وتلاوة القرآن ـ بعد قساوتها كما يحيي الله الأرض بالغيث بعد يبوستها ، كذلك يحيي الله الموتى من القبور بالمطر ، و (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) الدالة على قدرتنا على إحياء الموتى (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٧) أي لكي تكمل عقولكم فتصدقوا بالبعث بعد الموت ، (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ). وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر بتخفيف الصاد من التصديق ، أي إن الذين آمنوا من الرجال والنساء وتصدقوا صدقة واجبة ، أو تطوعا عن طيبة النفس وخلوص النية على المستحق للصدقة يضاعف لهم إلى ألفي ألف إلى ما شاء الله من الأضعاف. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بتشديد الصاد من التصدق. وقرأ أبي «إن المتصدقين والمتصدقات» ، والمعنى : إن الذين أعطوا الصدقة من الرجال والنساء وعملوا الصالحات إلخ لأن إقراض الله من الأعمال الصالحة وهو تقديم الحسنات. وقرأ ابن كثير وابن عامر «يضعّف لهم» بتشديد العين ، والجار والمجرور نائب الفاعل. (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (١٨) أي