ثواب حسن في الجنة (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) وهم الذين آمنوا بالرسل حين أتوهم ، ولم يكذبوهم ساعة قط مثل آل ياسين ، ومؤمن آل فرعون ، وأما في أمة محمد فهم ثمانية سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام ، أبو بكر ، وعلي ، وزيد ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وحمزة ، وتاسعهم عمر بن الخطاب. ألحقه الله تعالى بهم لما عرف من صدق نيته ـ كما قاله الضحاك ومقاتل ـ ويقال : الصدّيق هو الذي يحمل الأمر على الأشق ، ولا ينزل إلى الرخص ، ولا يميل إلى التأويلات ، (وَالشُّهَداءُ) وهذا إما معطوف على ما قبله ويجوز الوقف هنا ، وهم عدول الآخرة الذين تقبل شهادتهم.
وقال الضحاك : هم التسعة الذين سميناهم رضياللهعنهم. وقال مقاتل ومحمد بن جرير : هم الذين استشهدوا في سبيل الله. وقال الفراء والزجاج هم الأنبياء. فـ «أولئك» مبتدأ ثان و «هم» مبتدأ ثالث ، و «الصديقون» خبر «هم» ، وهو مع خبره خبر للثاني ، وهو مع خبره خبر للأول ، أي أولئك عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء بعلو الرتبة ورفعة المحل. وإما مبتدأ وخبره إما (عِنْدَ رَبِّهِمْ) وإما (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) وعلى هذا فالوقف على الصدّيقون تام. والأظهر أن جملة لهم أجرهم من مبتدأ وخبر محلها رفع على أنه خبر ثان للموصول والضمير الأول للموصول والأخيران للصدّيقين والشهداء. وهذه الجملة بيان لثمرات ما وصفوا به من نعوت الكمال ، أي للذين آمنوا مثل أجر الصدّيقين والشهداء ونورهم ، المعروفين بغاية الكمال وعزة المنال ، فالمماثلة بين تمام ما للأول من الأصل والأضعاف ، وبين ما للآخرين من الأصل بدون الأضعاف ، وقد حذف أداة التشبيه تنبيها على قوة المماثلة وبلوغها حد الاتحاد ، ولما ذكر الله تعالى حال المؤمنين أتبعه بذكر حال الكافرين فقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا (أُولئِكَ) الموصوفون بتلك الصفة القبيحة ، (أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١٩) بحيث لا يفارقونها أبدا ، ولما ذكر الله تعالى أحوال المؤمنين والكافرين ذكر ما يدل على حقارة الدنيا ، وكمال حال الآخرة (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ) وهو فعل الصبيان الذي يتعبون أنفسهم جدا ثم إن تلك المتاعب تنقضي من غير فائدة ، (وَلَهْوٌ) وهو فعل الشبان ، فبعد انقضائه لا يبقى إلا التحزن ، لأن العاقل يرى المال ذاهبا والعمر ذاهبا ، (وَزِينَةٌ) وهو دأب النسوان ، لأن المطلوب من الزينة تحسين القبيح وتكميل الناقص ، (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ) كتفاخر الأقران يفتخر بعضهم على بعض بالنسب ، أو بالقوة ، أو بالقدرة ، أو بالعساكر وكلها ذاهبة ، (وَتَكاثُرٌ) أي مبالغة في الكثرة (فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ). فالحياة الدنيا غير مذمومة وإنما المذموم من صرف هذه الحياة إلى طاعة الشيطان ، ومتابعة الهوى لا إلى طاعة الله تعالى ، والمعنى : اعلموا أن شغل البال بالحياة الدنيا دائر بين هذه الأمور الخمسة ، (كَمَثَلِ غَيْثٍ) أي صفة الدنيا في إعجابها كصفة مطر (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) أي أعجب الزراع النبات الحاصل بالمطر وسمي الزارع كافرا ، لأنه يغطي