خاتم الأنبياء ، جاز أن يقدّر أنه لا يموت ، إذ لو مات لتغير شرعه ، فنبه الله تعالى على أن حاله كحال غيره من الأنبياء عليهمالسلام في الموت. (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ، أي ذائقة مرارة مفارقتها جسدها في الدنيا ، (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) ، أي نعاملكم بالشرّ والخير معاملة المختبر اختبارا ، لننظر أتصبرون عند الشر ، وتشكرون عند الخير ، أم لا؟ فالشرّ : هو المضار الدنيوية من الفقر والآلام ، وسائر الشدائد النازلة على المكلفين ، والخير : هو نعم الدنيا من الصحة واللذة والسرور ، والتمكين من المرادات. (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٣٥). أي إلى حكمنا ترجعون بعد الموت فنجزيكم بأعمالكم. (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) ، يقولون في حال الهزء ، (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) ، بعيب ونقصان. فـ «إن» نافية ، وهي وما في حيّزها جواب ، «إذا» ولا يجب إتيان الفاء في جواب «إذا» منفيا بـ «إن» ، أو بـ «ما». والمعنى : وإذا رآك الذين كفروا كأبي جهل ، وأبي سفيان ، ما يفعلون بك إلا اتخاذك هزوا قائلين : (أَهذَا الَّذِي) إلخ. ويحتمل أن جواب إذا محذوف القول ، وتكون الجملة المنفية معترضة بين الشرط وجوابه المقدّر ، والتقدير ، يقول بعضهم لبعض في حال السخرية : أهذا الذي إلخ. (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) (٣٦). و «هم» الأول مبتدأ وخبره «كافرون» ، و «بذكر» متعلق بالخبر. و «هم» الثاني تأكيد لفظي للأول ، وهذه الجملة حال من فاعل القول المقدّر. والمعنى : أنهم يعيبون على النبي صلىاللهعليهوسلم ، أن يذكر بالسوء آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع. والحال أنهم جاحدون بذكر الرحمن بما يليق به من التوحيد ، وهو المنعم عليهم ، الخالق ، المحيي المميت ، فإنهم كانوا يقولون : لا نعرف الرحمن ، إلا رحمن اليمامة ، وهو مسيلمة الكذاب. (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) أي خلق الإنسان عجولا.
روي أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحرث ، حين استعجل العذاب بقوله : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر. والآية : (سَأُرِيكُمْ آياتِي) أي نقماتي في الآخرة ، كعذاب النار ، وغيره ، في الدنيا ، كوقعة بدر فإنها ستأتي في وقتها. (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (٣٧) في طلب العذاب قبل الأجل. (وَيَقُولُونَ) ـ أي كفار مكة بطريق الاستهزاء والإنكار ، لا بطريق الإلزام في تعيين وقت العذاب ـ : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي وعد إراءة الآيات التي تعدنا يا محمد؟ (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٨) في وعدكم بأن العذاب يأتينا. (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ) أي لا يدفعون ، (عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٣٩). في دفع العذاب أي لو يعلمون الوقت يسألون عنه ، بقولهم متى هذا الوعد ـ وهو وقت صعب شديد ـ تحيط النار بهم فيه من كل جانب لا يقدرون على دفعها عن أنفسهم بأنفسهم ، ولا يجحدون ناصرا ينصرهم في دفعها ، لما استعجلوا العذاب ولما قاموا على إنكارهم ولرجعوا إلى طلب الحق فقوله (حِينَ) مفعول به لـ «يعلم». (بَلْ تَأْتِيهِمْ) ، أي النار (بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ) أي فتحيّرهم ، (فَلا يَسْتَطِيعُونَ)