يكفر كفارة واحدة ، (ذلِكُمْ) أي التغليظ في الكفارة (تُوعَظُونَ بِهِ) أي تزجرون به عن إتيان ذلك المنكر كي تتركوه ولا تعاودوه ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٣) أي من التكفير وتركه ، (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أي رقبة (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ) أي فعليه صيام شهرين (مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) بجميع ضروب المسيس من لمس بيد وغيرها ، (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أي الصيام (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) لكل مسكين مدمن طعام بلده الذي يقتات منه حنطة ، أو شعير ، أو أرزا ، أو تمرا بمد النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا يعتبر مد حدث بعده. وقال أبو حنيفة : لكل مسكين نصف صاع من بر ، أو دقيق ، أو سويق ، أو صاع واحد من تمر ، أو شعير ، ولا يجزئه دون ذلك. (ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) أي ذلك البيان للأحكام لتصدقوا بالله ورسوله في العمل بشرائعه ولا تستمروا على أحكام الجاهلية من جعل الظهار أقوى أنواع الطلاق ، (وَتِلْكَ) أي هذه الأحكام المذكورة (حُدُودُ اللهِ) التي لا يجوز مجاوزتها ، (وَلِلْكافِرِينَ) أي لمن جحد هذه الأحكام وكذب بها ، (عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤) ، فإن عجز عن جميع خصال الكفارة لم تسقط عنه ، بل هي باقية في ذمته إلى أن يقدر على شيء منها ، ولا ينبغي للمرأة أن تدعه يقربها حتى يكفّر ، فإن تهاون بالتكفير حال الإمام بينه وبينها ، وأجبره على التكفير ، وإن كان الإجبار بالضرب ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار وحدها ، لأن ترك التكفير إضرارا بالمرأة ، وامتناع من إيفاء حقها (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، أي يعاودونهما ، وذلك بالمحاربة مع أولياء الله ، أو بالصد عن دين الله وتكذيبه ، (كُبِتُوا) أي أذلوا (كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، أي كما أخزى كفار الأمم الماضية المعادين للرسل عليهم الصلاة والسلام ، (وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ) ، أي والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات في شأن من خالف الله ورسوله ممن قبلهم من الأمم من إهلاكهم ، (وَلِلْكافِرِينَ) بتلك الآيات (عَذابٌ مُهِينٌ) (٥) أي يذهب بعزهم وكبرهم. (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) أي مجتمعين في حال واحدة (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) تخجيلا لهم وتشهيرا لحالهم الذي يتمنون عنده المسارعة بهم إلى النار لما يلحقهم من الخزي على رؤوس الأشهاد ، (أَحْصاهُ اللهُ) أي أحاط الله بجميع أحوال تلك الأعمال من الكمية والكيفية ، والزمان والمكان. (وَنَسُوهُ) أي والحال أنهم قد نسوا أعمالهم ، لأنهم تهاونوا بها حيث فعلوها ، ولم يبالوا بها لجراءتهم على المعاصي ، (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٦) لا يغيب عنه أمر من الأمور قط ، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)؟ أي ألم تعلم علما يقينيا أنه تعالى يعلم ما فيهما من الموجود سواء كان ذلك بالاستقرار فيهما أو بالجزئية منهم! (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) أي ما يوجد من متناجين ثلاثة إلا الله رابعهم ، ولا متناجين خمسة إلا الله سادسهم ، (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) أي من الأماكن ولو كانوا تحت الأرض.
قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في ربيعة وحبيب ابني عمرو وصفوان بن أمية ، كانوا يوما