على وجه الوحي ، فدفعه جبريل إلى أقصى أرض الهند ، (إِذْ قالَ) أي الشيطان الذي يقال له : الأبيض (لِلْإِنْسانِ) ـ أي العابد الذي يقال له برصيصا ـ (اكْفُرْ) بالله (فَلَمَّا كَفَرَ) بالله خذله و (قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) ، أي ليس بيني وبينك محبة أصلا. وقرئ «أنا بريء منك».
روى عطاء وغيره عن ابن عباس قال : كان راهب يقال له : برصيصا تعبد في صومعة له سبعين سنة ، لم يعص الله تعالى فيها طرفة عين وأن إبليس أعياه في أمره الحيل ، فجمع ذات يوم مردة الشياطين ، فقال الأبيض لإبليس أنا أكفيك أمره ، فانطلق فتزيا بزي الرهبان ، وحلق وسط رأسه ، وأتى صومعة برصيصا ، فناداه ، فلم يجبه ، وكان لا ينفتل عن صلاته إلا في كل عشرة أيام مرة ، ولا يفطر في كل عشرة أيام إلا مرة ، فأقبل الأبيض يصلي في أصل صومعة برصيصا فلم يلتفت إليه برصيصا ، أربعين يوما ، فلما رأى برصيصا شدة اجتهاد الأبيض في العبادة قال له : ما حاجتك؟ قال : حاجتي أن تأذن لي أن أرتفع إليك ، فأذن له ، فارتفع إليه في صومعته ، فأقام حولا يتعبد ، فلا يفطر إلا في كل أربعين يوما مرة ، ولا ينفتل من صلاته إلا كذلك ، فلما حال الحول ، قال الأبيض لبرصيصا : إن عندي دعوات أعلمكها تدعو بهن فهن خير مما أنت فيه ، يشفي الله تعالى بها المريض ، ويعافي بها المبتلى والمجنون. قال برصيصا : إني أكره هذه المنزلة وإني أخاف أن يشغلني الناس عن عبادة ربي ، فلم يزل به الأبيض حتى علّمه الدعوات ، ثم انطلق حتى أتى إبليس فقال : والله قد أهلكت الرجل ، فانطلق الأبيض ، فتعرض لرجل فجننه ، ثم جاءه في صورة رجل مطبب فقال لأهله : إن لصاحبكم جنونا أفأعالجه؟ قالوا : نعم ، فقال : إني لا أقوى على جنيته ولكن سأرشدكم إلى من يدعو الله تعالى فيعافيه ، انطلقوا إلى برصيصا فإن عنده الاسم الذي إذا دعا به أجيب ، فانطلقوا به إليه ، فسألوه الدعاء ، فدعا له ، فذهب عنه الشيطان ، فكان الأبيض يفعل ذلك بالناس ويرشدهم إلى برصيصا ، فيدعو لهم ، فيعافون ، ثم تعرض الأبيض لبنت ملك من ملوك بني إسرائيل وكان لها ثلاثة أخوة ، وكان ملك بني إسرائيل عمهم حينئذ ، ثم جاء الأبيض إليهم في صورة رجل مطبب فقال : أفأعالجها؟ قالوا : نعم ، قال : إن الذي عرض لها مارد لا يطاق ولكن سأرشدكم إلى رجل تثقون به تتركونها عنده إذا جاءها شيطانها دعا لها حتى تعلموا أنها قد عوفيت فتأخذونها منه صحيحة قالوا : ومن هو؟ قال : هو برصيصا فانطلقوا إليه ، فسألوه ذلك ، فأبى ، فبنوا صومعة ألصقوها بصومعة برصيصا ووضعوا تلك البنت في صومعتها وقالوا : يا برصيصا هذه أختنا أمانة عندك ، ثم انصرفوا ، فلما انفتل برصيصا من صلاته عاين تلك البنت وما هي عليه من الجمال فوقعت في قلبه ، فجاءها الشيطان ، فخنقها ، فكانت تكشف عن نفسها وتتعرض لبرصيصا ، فجاءه الشيطان وقال : ويحك ، واقعها ، فلم تجد مثلها ، وستتوب بعد ذلك ، فلم يزل الشيطان به حتى واقعها ، فلم يزل على ذلك حتى حملت البنت وظهر حملها ، فقال له الشيطان : ويحك يا برصيصا فهل لك أن تقتلها وتتوب ، فقتلها ، فدفنها ليلا جانب