الذين اتقوا الله تعالى ، لا في الدنيا ولا في الآخرة بوجه من الوجوه ـ واحتج بهذه الآية أصحابنا على أن المسلم لا يقتل بالذمي ـ (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) (٢٠) بكل مطلوب ، الناجون عن كل مكروه. (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) أي لو جعلنا في الجبل على قساوته عقلا كما جعلنا العقل فيكم ، ثم أنزلنا عليه هذا القرآن المنطوي على فنون القوارع لخشع وتشقق خشية من الله وخوفا أن لا يؤدي حقه في تعظيم القرآن وأنتم أيها المعترفون بإعجازه لا ترغبون في وعده ولا ترهبون من وعيده ، (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) أي نبينها لهم في القرآن (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٢١) ، أي لكي يتأملوا مواعظ القرآن فإنه لا عذر في ترك التدبر ، فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبال مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه ولرأيتها ذليلة متشققة من خشية الله. (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وحده (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ، أي عالم ما غاب عن العباد ، وما شاهدوه.
وقال ابن عباس : عالم السر والعلانية. وقال سهل : عالم بالآخرة والدنيا. وقيل : عالم ما غاب عن الوجود وهو المعدوم وعالم الموجود ، (هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (٢٢) أي هو العاطف على العباد ، البر والفاجر بالرزق لهم ، المنعم ـ على المؤمنين خاصة ـ بالمغفرة ودخول الجنة. (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا معبود بحق إلا هو وحده ، (الْمَلِكُ) أي المتصرف بالأمر في جميع خلقه ، (الْقُدُّوسُ) أي البليغ في النزاهة في الذات ، والصفات ، والأفعال ، والأحكام ، والأسماء.
قال الحسن : أي الذي كثرت بركاته. (السَّلامُ) أي الذي لا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزمان المستقبل ، (الْمُؤْمِنُ) أي واهب الأمن ، (الْمُهَيْمِنُ) أي الحافظ لكل شيء ، (الْعَزِيزُ) أي الذي لا يوجد له نظير ، أو الغالب (الْجَبَّارُ) أي الملك العظيم ـ كما قاله ابن عباس ـ أو مصلح أحوال العباد ، أو الذي يقهرهم على ما أراد ، (الْمُتَكَبِّرُ) بربوبيته ـ كما قاله ابن عباس ـ أو المتعظم عن كل سوء ـ كما قاله قتادة ـ أو الذي تعظم عن ظلم العباد (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٢٣) ، أي تنزيها له تعالى عما يشركون به. (هُوَ اللهُ الْخالِقُ) أي المقدر لما يوجده ، فيرجع إلى تعلق الإرادة التنجيزي القديم ، (الْبارِئُ) أي المبرز للأعيان من العدم إلى الوجود ، فيرجع لتأثير القدرة الحادث في خصوص الأعيان ، (الْمُصَوِّرُ) أي مصور الأشياء على هيئات مختلفة مما يريد تعالى ، فالتصوير آخر ، والتقدير أولا ، والبرء بينهما.
وقرأ علي بن أبي طالب والحسن بفتح الواو وبالنصب مفعول لـ «البارئ». (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) أي له تعالى الأسماء الدالة على معاني الصفات الحسنة ، (يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ينطق ما فيهما بتنزهه تعالى عن جميع النقائص تنزها ظاهرا ، (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٤) الجامع للكمالات كافة ، فإنها راجعة إلى الكمال في القدرة والعلم.