ففاضت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم فنزلت هذه الآية.
وروي أن سارة عاشت إلى خلافة عمر وأسلمت وحسن إسلامها ، (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) أي وحالهم أنهم كفروا بما جاءكم من الدين الحق. وقرئ «لما جاءكم» أي كفروا لأجل ما جاءكم من الرسول والقرآن ، أي جعلوا ما هو سبب الإيمان سببا للكفر (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) من مكة إلى المدينة ، (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) وهذا تعليل للإخراج أن يخرجوكم لإيمانكم بالله (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ) من مكة إلى المدينة (جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) وهذا مرتبط بلا تتخذوا ، أي لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ، أي بالنصيحة. وهذه الجملة بدل من «تلقون إليهم» بدل بعض لأن إلقاء المحبة يكون سرا وجهرا (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) أي والحال إني أعلم منكم بما أخفيتم في صدوركم ، وما أظهرتم بألسنتكم ، فأي فائدة لكم في إسرار النصيحة وقد علمتم أن الإخفاء والإعلان سيان في علمي؟ (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١) أي ومن يفعل إسرار النصيحة للكفار فقد أخطأ طريق الصواب ، هذا كله معاتبة لحاطب ، وهذا يدل على فضله وصدق إيمانه ، فإن المعاتبة لا تكون إلا من محب لحبيب كما قال القائل من الوافر :
ويبقى الود ما بقي العتاب |
|
إذا ذهب العتاد فليس ود |
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) أي إن يغلب عليكم أهل مكة يظهروا ما في قلوبهم من غاية العداوة ، (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) أي يمدوا إليكم أيديهم بالضرب والقتل وألسنتهم بالشتم والطعن (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) (٢) ، أي وتمنوا كفركم بعد إيمانكم ، فحينئذ لا ينفعكم إلقاء المودة إليهم ، (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) أي قراباتكم (وَلا أَوْلادُكُمْ) الذين تتقربون إلى المشركين لأجلهم ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) والظرف إن علق بـ «يفصل» فالوقف على «أولادكم» وقف بيان ، أو وقف تام عند أبي حاتم ، والوقف على «بينكم» وإن علق بـ «تنفعكم» فالوقف على «يوم القيامة» وهو وقف صالح. وقرأ ابن عامر «يفصل» بضم وفتح الفاء وتشديد الصاد مع فتحها ، ونائب الفاعل ظرف مبني على الفتح وحمزة والكسائي كذلك ، إلا أنهما يكسران الصاد ، أي يفرق الله بينكم وبين أقاربكم وأولادكم ، فيدخل أهل الإيمان الجنة وأهل الكفر النار ، وعاصم بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد. والباقون وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو بضم الياء وسكون الفاء ، وفتح الصاد.
وروي أن ابن كثير قرأ أيضا بالبناء للمفعول كعاصم. وقرئ «نفصل» و «نفصل» بالنون (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٣) فيجازيكم عليه ، ولم يقل تعالى خبير مع أنه أبلغ في العلم ، لأن البصير أظهر من خبير في العلم ، لأنه تعالى يجعل عملهم كالمحسوس بحس البصر ، (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي قدوة حسنة (فِي إِبْراهِيمَ) ، أي في جميع أحواله من قول وفعل (وَالَّذِينَ مَعَهُ) من أصحابه المؤمنين.