مصر على الغواية ، (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) ، أي مصدقا لما قبلي (مِنَ التَّوْراةِ) ، ومن كتب الله ومن أنبيائه جميعا (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).
قرأ نافع وابن كثير ، وأبو عمرو ، وشعبة بفتح الياء على الأصل وهو الاختيار عند الخليل وسيبويه في كل موضع تذهب فيه الياء لالتقاء ساكنين. والباقون بالسكون وهو حذف الياء من اللفظ لالتقاء الساكنين ، وهما الياء والسين كما قاله المبرد وأبو علي ، (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٦) أي فلما جاء عيسى بني إسرائيل بالمعجزات الظاهرة قالوا : هذا المأتي به سحر بيّن وقرأ حمزة والكسائي «ساحر» بفتح السين مع الألف ، ويقال : فلما جاءهم أحمد بالتي تبين أن الذي أتى به عند الله قالوا : هذا الآتي بالبينات ساحر بين ، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) أي أيّ الناس أشد ظلما ممن يدعوه ربه على لسان نبيه إلى الإسلام الذي فيه سعادة الدارين ، فيجعل مكان إجابته افتراء الكذب على الله من نسبة الولد إليه ووصف أنبيائه بالسحرة ، (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٧) أي لا يوفقهم الله للطاعة عقوبة لهم ، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) أي يريدون رد رسالة الرسول ليبطلوا دين الله بقولهم : إن الرسول ساحر ، وليبطلوا كتاب الله بقولهم : إنه سحر ، (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) بالإضافة وتركها ، أي والله مبلغ نوره إلى غايته بنشره في الآفاق ، (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٨) أي ولو كره المشركون واليهود والنصارى إتمام النور.
وعن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم أبطأ عليه الوحي أربعين يوما فقال كعب بن الأشرف : يا معشر اليهود أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه ، وما كان ليتم أمره ، فحزن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله هذه الآية ، واتصل الوحي بعدها (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ). وقرئ «نبيه» أي محمدا صلىاللهعليهوسلم (بِالْهُدى) أي بالقرآن ، (وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي ليعليه على جميع الأديان المخالفة له (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٩) إعلاءه عليها. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (١٠) وهي التجارة بين أهل الإيمان وحضرة الله تعالى.
وقرأ ابن عامر بفتح النون وتشديد الجيم. قال مقاتل : نزلت هذه الآية في عثمان بن مظعون ، وذلك أنه قال لرسول الله : لو أذنت لي فطلقت خولة ، وترهبت ، واختصيت ، وحرمت اللحم ، ولا أنام الليل أبدا ، ولا أفطر نهارا أبدا فقال صلىاللهعليهوسلم : «إن من سنتي النكاح ، ولا رهبانية في الإسلام ، إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله ، وخصاء أمتي الصوم ، ولا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ، ومن سنتي أنام ، وأقوم ، وأفطر ، وأصوم ، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (١). فقال
__________________
(١) رواه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٥ : ٢٨٦) ، وابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١١٨.