(فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) لسوء أفعالهم وقصدهم الإعراض عن الحق. وقرئ على البناء للفاعل. وقرئ «فطبع الله» أي تركهم الله في أنفسهم الجاهلة وأهوائهم الباطلة (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) (٣) شيئا ، فلا يميزون صوابا من خطأ ولا حقا من باطل ، (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) لضخامتها ، ولصباحة وجوههم ، فهم أشباح وقوالب ليس وراءها ألباب وحقائق ، (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم وحلاوة كلامهم. وقرئ «يسمع» على البناء للمفعول (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) ، أي مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم والخير ، (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) أي واقعة عليهم والوقف هنا تام فقوله : (عَلَيْهِمْ) مفعول ثان.
قال مقاتل : إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة ، أو نشدت ضالة مثلا ظنوا أنهم يرادون بذلك لما في قلوبهم من الرعب ، وذلك لأنهم على وجل من أن يهتك الله أستارهم ويكشف أسرارهم ، (هُمُ الْعَدُوُّ) أي هم الكاملون في العداوة ، (فَاحْذَرْهُمْ) أن تأمنهم على السر ولا تلتفت إلى ظاهرهم فإن أعدى الأعادي العدو المكاشر الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء الدوي ، (قاتَلَهُمُ اللهُ) أي أهلكهم الله ، فإن أصل المعنى أحلهم الله محل من قاتله عدو قاهر يهلكه ، لأن الله تعالى قاهر لكل معاند فإذا قاتلهم أهلكهم ، (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٤) أي كيف يصرفون عن الحق إلى الكفر والضلال؟ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا) إلى رسول الله وتوبوا من الكفر والنفاق ، (يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) أي حركوها إعراضا وإباء.
روي أنه لما نزل القرآن في فضيحة المنافقين أتاهم عشائرهم من المؤمنين ، وقالوا لهم : ويلكم افتضحتم بالنفاق ، وأهلكتم أنفسكم ، فأتوا رسول الله وتوبوا إليه من النفاق واسألوه أن يستغفر لكم ، فأبوا ذلك ، فنزلت هذه الآية (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) أي يعرضون عن الاعتذار ، (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (٥) عن استغفار الرسول لهم ، (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) أي استغفارك لهم وعدمه سواء ، والسبعة بهمزة قطع مفتوحة من غير مد ووصلها قوم على حذف حرف الاستفهام ، لأن أم المعادلة تدل عليه. وقرئ شاذا «أاستغفرت» بهمزة ثم ألف ، (لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) لرسوخهم في الكفر (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٦) أي الذين سبق ذكرهم ، وهم الكافرون والمنافقون والمستكبرون ، (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ) والقائل عبد الله بن أبي لأصحابه المؤمنين الأنصار في غزوة تبوك : (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) وهم فقراء المهاجرين ، (حَتَّى يَنْفَضُّوا) أي لأجل أن يتفرقوا عنه. وقرئ «حتى ينفضوا» بضم الياء وسكون النون ، أي لأجل أن تفنى أزوادهم ، (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مفاتيح الرزق يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) (٧) أن الله يرزقهم وأن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، (يَقُولُونَ) في تبوك : (لَئِنْ رَجَعْنا) من غزوة بني المصطلق (إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ).
قال المفسرون : اختلف أجير عمر وهو جهجاه بن سعيد مع أجير عبد الله بن أبي ، وهو