سورة التغابن
مدنية. أو مكية ، ثماني عشرة آية ، مائتان وإحدى وأربعون كلمة ، ألف وسبعون حرفا
بسم الله الرحمن الرحيم
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي ينزهه تعالى جميع ما فيهما من المخلوقات عما لا يليق بجناب كبريائه تنزيها مستمرا ، (لَهُ الْمُلْكُ) فهو متصرف في ملكه ، (وَلَهُ الْحَمْدُ) على أهل السموات والأرض ، (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أمر الدنيا والآخرة (قَدِيرٌ) (١) ، لأن نسبة الكل إلى قدرته تعالى سواء ، (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ) ، أي فبعضكم مختار للكفر كاسب له (وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ، أي وبعض منكم مختار للإيمان كاسب له.
وقال عطاء والزجاج : أي فمنكم جاحد بأنه تعالى خلقه وهو من أهل الطبائع والدهرية ، ومنكم مصدق بأنه تعالى خلقه ، والمعنى : أنه تعالى تفضل عليكم بأصل النعم التي هي الخلق فانظروا النظر الصحيح ، وكونوا بأجمعكم عبادا شاكرين فما فعلتم ذلك بل تفرقتم فرقا ، فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢) من الكفر والإيمان فيجازيكم على ذلك ، (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي بالإرادة القديمة على وفق الحكمة (وَصَوَّرَكُمْ) في الأرحام (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) فمن نظر في قد الإنسان ومناسبته بين أعضائه فقد علم أن صورته أحسن صورة ، وقد وجد فيه القوى الدالة على وحدانية الله تعالى وربوبيته دلالة مخصوصة لحسن هذه الصورة (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣) أي المرجع (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الأمور الكلية والجزئية والأحوال الجلية والخفية ، (وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) أي ما تسرونه فيما بينكم وما تظهرونه من الأمور ، (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤) أي بجميع المضمرات المستكنة في صدور الناس. (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) أيها الكفرة (نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) أي من قبلكم ، كقوم نوح ومن بعدهم (فَذاقُوا) من غير مهلة (وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي شدة أمرهم في الدنيا ، (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ) أي العذاب في الدنيا والآخرة (بِأَنَّهُ) أي الشأن (كانَتْ) أي القصة (تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالحجج الظاهرات ، فأنكروا أن يكون الرسول بشرا ولم ينكروا أن يكون معبودهم حجرا (فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا) بالرسل ، (وَتَوَلَّوْا) أي أعرضوا عن الإيمان ، (وَاسْتَغْنَى اللهُ) أي أظهر الله