ربهم وعن إجابة أمر رسله ، (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) أي فحاسبناهم في الآخرة على أعمالها بالمناقشة في كل نقير وقطمير ، (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) (٨) أي وعذبناهم عذابا عظيما وهو عذاب نار جهنم ، (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) أي فذاقوا عقوبة كفرهم ، (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) (٩) أي وكان عاقبة عتوها هلاكا بعذاب الدنيا وعذاب النار ، (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ) في الآخرة (عَذاباً شَدِيداً) لونا بعد لون (فَاتَّقُوا اللهَ) عن أن تكفروا به وبرسوله (يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي يا ذوي العقول من الناس ، (الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً) والوقف على «ذكرا» تام إن نصب «رسولا» بالإغراء أي عليكم رسولا ، أو بفعل مقدر ، أي وأرسل رسولا فحينئذ فالذكر هو القرآن والرسول هو النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا وقف على «ذكرا» إن جعل «رسولا» بدلا منه فحينئذ فالذكر الرسول هو جبريل عليهالسلام ، سمي بالذكر لأنه مذكور في السموات أو في الأمم ، أو لشرفه ، ويؤيده قراءة رسول بالرفع ، أي هو رسول (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ) أي القرآن (مُبَيِّناتٍ).
وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بكسر الياء ، لأن الآيات تبين الأحكام من الأمر والنهي والحلال والحرام. والباقون بالفتح لأن الله تعالى أوضح الآيات وبين أنها من عنده ، (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ومن ظلمة الشبهة إلى نور الحجة ، ومن ظلمة الجهل إلى نور العلم ، وقوله تعالى : (لِيُخْرِجَ) إما متعلق بأنزل والضمير فيه راجع إلى اسم الجلالة ، أو بـ «يتلو» فالضمير فيه راجع للرسول ، (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) فيما بينه وبين ربه (يُدْخِلْهُ) في الآخرة (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) وقرأ نافع وابن عامر «ندخله» بالنون (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) (١١).
قال الزجاج : أي قد رزقه الله الجنة التي لا ينقطع نعيمها وقيل : قدر رزقه الله طاعة في الدنيا وثوابا في الآخرة ، وجملة «قد أحسن الله» إلخ حال ثانية من مفعول «يدخله». (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) بعضها فوق بعض مثل القبة ، (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) أي في العدد لكنها منبسطة ، والعامة بنصب مثلهن عطفا على سبع سموات. وقرأ عاصم في رواية برفعه على الابتداء وخبره من الأرض.
روى البخاري وغيره أن كعبا حلف بالذي فلق البحر لموسى أن صهيبا حدثه أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها : «اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الأرضين السبع وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما أذرين ، إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر من فيها» (١). (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) أي ينفذ تصرفه فيهن ، ويجري قضاؤه بينهن.
__________________
(١) رواه الحاكم في المستدرك (١ : ٤٤٦) ، والقرطبي في التفسير (٨ : ١٧٥) ، والسيوطي في الدر المنثور (٤ : ٢٢٤).