الْغَيْبُ) أي أم عندهم علم ما غاب عنهم ، كأنه حضر في عقولهم (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) (٤٧) على الله ، أي يحكمون عليه بما شاءوا (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) في إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم ، (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) أي ولا يكن حالك يا أشرف الخلق كحال يونس عليهالسلام من الضجر والمغاضبة فتبتلي ببلائه ، (إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) (٤٨) إذ نادى في بطن الحوت بقوله : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، وهو مملوء غما ـ كما قاله ابن عباس ومجاهد ـ أو كربا ـ كما قاله عطاء وأبو مالك ـ والفرق بين الغم والكرب أن الغم في القلب والكرب في الأنفاس ، (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) (٤٩) أي لولا هذه النعمة التي هي توفيقه للتوبة وقبولها منه لطرح بالأرض الخالية من الأشجار مع وصف المذمومية. وقرئ «رحمة من ربه». وقرأ ابن هرمز والحسن «تداركه» بتشديد الدال. وقرأ ابن عباس وابن مسعود «تداركته» ، (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) أي رد عليه الوحي بعد أن انقطع عنه وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون ، (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٥٠) أي الكاملين في الصلاح بأن عصمه من أن يفعل فعلا يكون تركه أولى.
روي أن هذه الآية نزلت في أحد حين حل برسول الله ما حل ، فأراد أن يدعو على الذين انهزموا. وقيل : حين أراد أن يدعو على ثقيف. (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) أي أنهم من شدة عداوتهم لك ينظرون إليك شزرا ، بحيث يكادون يزلون قدمك فيرمونك. وقرئ في السبعة «ليزلقونك» بضم الياء وفتحها. وقرئ «ليزهقونك».
روي أنه كان في بني أسد عيانون فأراد بعضهم أن يعين رسول الله ، فنزلت هذه الآية. (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) أي وقت سماعهم بالقرآن ، (وَيَقُولُونَ) لغاية حيرتهم في أمره صلىاللهعليهوسلم (إِنَّهُ) أي محمدا (لَمَجْنُونٌ) (٥١) فأجابهم الله تعالى بقوله : (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٥٢) ، أي وما هذا القرآن الذي يزعمون أنه دلالة جنونه صلىاللهعليهوسلم إلا عظة للجن والإنس.