وتظهر أحوال أهل العذاب ، فيظهر بذلك حزنهم وفضيحتهم. وقرأ حمزة والكسائي «لا يخفى» بالياء التحتية (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) كأبي سلمة بن عبد الأسد. (فَيَقُولُ) لأصحابه تبجحا وابتهاجا : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (١٩) أي خذوا كتابي وانظروا ما فيه من الثواب والكرامة ، (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٢٠) أي إني في الدنيا تيقنت أني ألقى حسابي في الآخرة ولم أنكر البعث.
وروى أبو هريرة أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الرجل يؤتى به يوم القيامة ويؤتى كتابه ، فتكتب حسناته في ظهر كفه ، وتكتب سيئاته في بطن كفه فينظر إلى سيئاته فيحزن فيقال له : اقلب كفك فينظر فيه فيرى حسناته فيفرح ، ثم يقول : هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت عند النظرة الأولى أني ملاق حسابيه على سبيل الشدة ، وأما الآن فقد فرج الله عني ذلك الغم». (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٢١) أي منسوبة إلى الرضا (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) (٢٢) في المكان والدرجة (قُطُوفُها دانِيَةٌ) (٢٣) أي ثمارها قريبة يتناولها القاعد يقول الله لهم : (كُلُوا) من الثمار (وَاشْرَبُوا) من الأنهار (هَنِيئاً) ، أي بلا تعب في تحصيل الأكل والشراب وبلا داء في تناولهما (بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) (٢٤) ، أي بمقابلة ما قدمتم من الأعمال الصالحة في الأيام الماضية وهي أيام الدنيا ، (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) كالأسود بن عبد الأسد (فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) (٢٥) ، أي لم أعط كتابي هذا الذي ذكرني قبائح أفعالي حتى لا أقع في هذه الخجالة ، (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ) (٢٦) أي أيّ شيء حسابي من ذكر العمل وذكر الجزاء ، (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) (٢٧) أي ليت هذه الحالة كانت موتة انتهيت إليها ، أو ليت الموتة التي مت بها في الدنيا كانت قطعة لأمري فلم أبعث بعدها ولم ألق ما ألقى ، (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) (٢٨) ، و «ما» إما نافية و «مالية» كلمة واحدة ، أي ما دفع عني من عذاب الله مالي الذي جمعته في الدنيا أو استفهامية ، و «ما ليه» كلمتان. أي أيّ شيء نفعني مما كان لي من المال والأتباع (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) (٢٩) أي ضلت عني حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا أو ذهب ملكي وتسلطي على الناس وبقيت فقيرا ذليلا ، فيقول الله تعالى يومئذ لخزنة النار : (خُذُوهُ) أيتها الزبانية (فَغُلُّوهُ) (٣٠) أي شدوه بالأغلال ، فيبتدر إليه مائة ألف ملك وتجمع يده إلى عنقه ورجله إلى وراء قفاه إلى ناصيته ، (ثُمَّ الْجَحِيمَ) أي النار العظمى (صَلُّوهُ) (٣١) أي شووه ، (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها) أي قدرها بذراع الملك (سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) (٣٢) أي أدخلوه.
قال ابن عباس : تدخل السلسلة من دبره وتخرج من حلقه ، ثم يجمع بين ناصيته وقدميه ، ثم يجعل في عنقه سائرها. وقال نوف البكالي : كل ذراع سبعون باعا كل باع أبعد مما بين مكة والكوفة ، (إِنَّهُ كانَ) في الدنيا (لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) (٣٣) (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (٣٤) ، أي ولا يحث على بذل طعام المسكين. وعن أبي الدرداء أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان أفلا نخلع النصف الباقي! (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) (٣٥) أي فليس له في ذلك الوقت في مجمع القيامة قريب يدفع عنه ويحزن عليه ، (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) (٣٦).