إذا طيرته الريح ، (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) (١٠) أي لا يسأل قريب قريبه عن أحواله كيف حالك ، ولا يكلمه ، لأن لكل أحد ما يشغله عن هذا الكلام ، أو لا يسأل حميم عن حميمه ليتعرف شأنه من جهته فلا يقال : لحميم أين حميمك؟ (يُبَصَّرُونَهُمْ) أي يعرف الحميم الحميم حتى يعرفه وهو مع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه.
وقرئ «يبصرونهم» أي يرونهم ولا يعرفونهم اشتغالا بأنفسهم ، (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ، أي يتمنى المشرك أن يفدي نفسه من عذاب يوم القيامة بأولاده وزوجته وأخيه ، وأقاربه الأقربين الذين فصل عنهم ، وينتهي إليهم التي تضمه في النسب وتحميه في النوائب ومن في الأرض جميعا من الخلائق وقرأ نافع والكسائي «يومئذ» بفتح الميم على البناء لإضافة يوم إلى مبني. والباقون بكسرها على الإعراب على الأصل في الأسماء. وقرئ «من عذاب يومئذ» بتنوين «عذاب» ونصب «يومئذ» بـ «عذاب» لأنه في معنى تعذيب ، (ثُمَّ يُنْجِيهِ) (١٤) معطوف على يفتدي ، أي يتمنى الكافر أن يفتدي نفسه بهذه الأشياء ثم أن ينجيه ذلك الافتداء ، (كَلَّا) وهذا هنا إما بمعنى حقا ، فحينئذ كان الوقف على «ينجيه» وهو وقف تام. وإما بمعنى لا فحينئذ كان الوقف على «كلا» وهو وقف تام ، وهذا أولى ، ولا يجمع بينهما في الوقف بل الوقف في أحدهما فقط أي لا ينفعه ذلك الافتداء ولا ينجيه من العذاب ، (إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى) (١٦).
وقرأ حفص بالنصب على الاختصاص ، أو على حال مؤكدة ، والكناية عائدة على النار لدلالة لفظ العذاب عليها ، وقرأ الباقون بالرفع فتجعل الكناية حرف عماد و «لظى» اسم «إن» و «نزاعة» خبرها ، كأنه قيل : إن لظى نزاعة ، أو تجعل ضمير القصة وهو اسم إن و «لظى» مبتدأ و «نزاعة» خبرا ، والجملة خبر عن «إن» والتقدير : أن القصة لظى نزاعة للشوى أي قلاعة للأعضاء التي في أطراف الجسد ، ثم تعود كما كانت وهكذا أبدا فلا تترك لحما ولا جلدا إلا أحرقته (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ) عن الطاعة (وَتَوَلَّى) (١٧) عن الإيمان (وَجَمَعَ فَأَوْعى) (١٨) أي جمع المال فجعله في وعاء ولم يؤد حقوقه ، أي إن النار تدعوهم بلسان الحال أو أن الله تعالى يخلق الكلام في جرم النار حتى تقول صريحا : إلي يا كافر إلي يا منافق ، ثم تلتقطهم الحب فقوله تعالى : أدبر وتولى ، إشارة إلى الإعراض عن معرفة الله تعالى وطاعته وقوله : (وَجَمَعَ) إشارة إلى الحرص وقوله : (فَأَوْعى) إشارة إلى طول الأمل وهذه مجامع آفات الدين. (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) (١٩) أي جبل جبلة هو فيها قلة الصبر وشدة الحرص (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) (٢١) ، أي إذا أصابه الفقر والمرض ونحوهما صار جازعا شاكيا ، وإذا أصابه السعة والصحة صار مانع المعروف شحيحا بماله ، غير ملتفت إلى الناس ، وإنما ذم الله الإنسان على ذلك ، لأنه قاصر النظر عن الأحوال الجسمانية العاجلة ، فالواجب عليه أن يكون مشغولا بأحوال