وحكى الواحدي عن المفسرين أن خزنة النار تسعة عشر مالك ومعه ثمانية عشر ، أعينهم كالبرق ، وأنيابهم كالصياصي ، وأشعارهم تمس أقدامهم ، يخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة يسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر ، نزعت منه الرحمة والرأفة ، يأخذ أحدهم سبعين ألفا في كفه ، ويرميهم حيث أراد من جهنم ، وحكمة هذا العدد أن أبواب جهنم سبعة ، فستة منها للكفار ، وواحد للفساق ، ثم إن الكفار يدخلون النار لأمور ثلاثة : ترك الاعتقاد ، وترك الإقرار ، وترك العمل ، فيكون لكل باب من تلك الأبواب الستة ثلاثة ، والمجموع ثمانية عشر ، وأما باب الفساق فليس هناك زبانية بسبب ترك الاعتقاد ولا بسبب ترك القول بل بسبب ترك العمل فقط ، فلا يكون على بابهم إلا زبانية واحدة ، فالمجموع تسعة عشر. ويقال : إن الساعات أربعة وعشرون وخمسة منها مشغولة بالصلوات الخمسة ، فيبقى منها تسعة عشر مشغولة بغير العبادة ، فحقا صار عدد الزبانية تسعة عشر ، (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ) أي القائمين بتعذيب أهل النار ، (إِلَّا مَلائِكَةً) فلا تقاس الملائكة بالسجانين.
روي أنه لما نزل قوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) ، قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم. قال ابن أبي كبشة : إن خزنة النار تسعة عشر ، وأنتم الشجعان أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم فقال أبو الأشد بن أسيد بن كلدة الجمحي : أنا أكفيكم سبعة عشر ، واكفوني أنتم اثنين ، فنزلت وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ، أي ما جعلناهم رجالا من جنسكم فتغالبونهم ، (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) فإنهم يقولون : هذا العدد القليل كيف يكونون وافين بتعذيب أكثر العالم من الجن والإنس من أول ما خلق الله تعالى إلى قيام القيامة ، (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) لأن هذا العدد موجود في التوراة والإنجيل ، فلما أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم على وفق ذلك من غير سابقة تعلم ، علموا أن ذلك حصل بسبب الوحي من السماء ، فالذين آمنوا بمحمد استيقنوا أن ذلك العدد هو الصدق. (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) بما رأوا من تصديق أهل الكتاب ذلك ، وعلموا أن في كتابنا مثل ما في التوراة ، (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) مثل عبد الله بن سلام وأصحابه ، إذ لم يكن العدد خلاف ما في كتابهم ، (وَالْمُؤْمِنُونَ) لانضمام إيمانهم بذلك إلى إيمانهم بسائر ما أنزل ، (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، أي شك في صدق القرآن (وَالْكافِرُونَ) القاطعون بكذبه : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) أي أيّ شيء أراد الله بهذا العدد القليل حال كونه عددا عجيبا (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء بهذا المثل إضلالا وهداية كائنين مثل ما ذكر من الإضلال والهداية ، (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) أي إن الخزنة تسعة عشر ولهم جنود من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى ، خلقوا لتعذيب أهل النار (وَما هِيَ) أي سقر (إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) (٣١) ، أي إلا عظة للخلق ليتذكروا كمال قدرة الله تعالى وأنه لا يحتاج إلى أعوان. (كَلَّا) أي حقا أو تنبهوا إلى ما سيلقى إليكم. (وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) (٣٣).