(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (٩) بأن يطلعهما الله تعالى من المغرب ، (يَقُولُ الْإِنْسانُ) المنكرللقيامة (يَوْمَئِذٍ) أي إذا عاين هذه الأحوال : (أَيْنَ الْمَفَرُّ) (١٠) أي أين الفرار من النار ، وقرئ بكسر الفاء ، أي أين موضع الفرار؟ (كَلَّا) أي حقا أو لا تتمن الفرار ، (لا وَزَرَ) (١١) أي لا ملجأ ، أي فلا جبل يواريه من النار (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) (١٢) ، أي موضع قرارهم يوم إذ كانت هذه الأمور مفوضة إلى مشيئته تعالى ، فإنه تعالى يدخل من يشاء الجنة ، ومن يشاء النار ، (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (١٣) أي يخبر كل امرئ عند وزن الأعمال بما عمل وبما ترك من عمل خيرا كان ، أو شرا (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (١٤) ، أي بل هو يومئذ عالم بتفاصيل أحواله ، شاهد على نفسه ، لأن جوارحه تنطق بذلك ، (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (١٥) أي ولو جاء بكل معذرة يمكن أن يعتذر بها عن نفسه ، فإنه لا ينفعه ذلك ، لأنه شاهد على نفسه (لا تُحَرِّكْ بِهِ) أي بالقرآن (لِسانَكَ) قبل فراغ جبريل من قراءته عليك (لِتَعْجَلَ بِهِ) (١٦) ، أي لتأخذه على عجلة مخافة أن تنساه (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) في صدرك (وَقُرْآنَهُ) (١٧) أي إثبات قراءته في لسانك ، (فَإِذا قَرَأْناهُ) أي أتممنا قراءته ، عليك بلسان جبريل (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (١٨) أي فاقرأ أنت بعد فراغنا من قراءته أي لا ينبغي أن تكون قراءتك مقارنة لقراء جبريل ، فإذا سكت جبريل فاشرع أنت في القراءة ، (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (١٩) أي بيان ما أشكل عليك من معاليه وأحكامه على سبيل التفضل ، (كَلَّا) أي لا تعجل يا أشرف الخلق وكن على أناة (بَلْ) أنتم يا بني آدم ، لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء ، ولذلك (تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) (٢٠) أي الدنيا ، (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) (٢١).
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بياء الغيبة ، أي إنهم يحبون العمل للدنيا ويتركون العمل لثواب الآخرة ، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣) فـ «وجوه» مبتدأ و «ناضرة» نعت له ، ويومئذ منصوب بـ «ناضرة» و «ناظرة» خبره ، و «إلى ربها» متعلق بالخبر والمعنى : أن الوجوه الحسنة يوم القيامة وهي وجوه المؤمنين ناظرة إلى الله تعالى لا يحجبون عنه ، (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) (٢٥) أي ووجوه شديدة العبوس يوم القيامة وهي وجوه الكفرة ، توقن أن يفعل بها أنواع العذاب في النار ، (كَلَّا) أي تنبهوا لما أمامكم من الموت الذي ينقطع عنده المحبة بينكم وبين الدنيا ، (إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) (٣٠) أي إذا بلغت الروح أعالي الصدر ، وهي العظام المكتنفة بثغرة النحر عن يمين وشمال ، وقال : من حول المشرف على الموت على سبيل الطلب ، أو على سبيل الإنكار من ينجيه مما هو فيه ، وهل من طبيب فيداويه أو قال ملك الموت للملائكة : أيكم يرقى بروحه إلى السماء؟ وأيقن ذلك المحتضر أن ما نزل به فراق الدنيا واتصلت شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة ، فقد انقطعت عنه أحكام الدنيا ويساق في ذلك اليوم إلى حكم الله تعالى إذ إليه مرجع الخلائق ، (فَلا صَدَّقَ) وهو معطوف على قوله تعالى : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ).