موضع الحال والمعنى : لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا. والحال أن ظلالها دانية عليهم ، أي أن ظلال أشجار الجنة قريبة من الأبرار مظلة عليهم ، بمعنى أنه لو هناك شمس مؤذية لكانت أشجارها مظلة عليهم (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) (١٤) أي أدنيت منهم عناقيد ثمارها ، فهم يتناولون منها كيف شاءوا ، (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) أي بصحاف من فضة ، (وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) أي وبكيزان تكونت جامعة بين صفاء الزجاج وشفوفه ، وبياض الفضة ، ولينها ، فنسبة قارورة الجنة إلى قارورة الدنيا ، كنسبة فضة الجنة إلى رمل الدنيا ، لأن أصل القوارير في الدنيا : الرمل ، وأصل قوارير الجنة هو فضة شفافة. وقرئ «قوارير» الثاني بالرفع ، أي هي قوارير (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) (١٦) أي قدروا القوارير في أنفسهم وأرادوا أن تكون على أشكال معينة موافقة لشهواتهم ، فجاءت حسبما قدروها ، وقيل : الضمير للطائفين بها ، أي قدر الطائفون الشراب فيها على قدر اشتهائهم. وقرئ «قدروها» بالبناء للمفعول ، أي جعلوا قادرين لها كما شاءوا ، (وَيُسْقَوْنَ فِيها) أي الجنة (كَأْساً) أي خمرا (كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) (١٧) ، أي ما يشبه الزنجبيل (عَيْناً فِيها) أي الجنة (تُسَمَّى) أي تلك العين (سَلْسَبِيلاً) (١٨).
قال مقاتل وابن حبان : سميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرض من جنة عدن إلى أهل الجنان. ويقال : معناها سل الله سبيلا إليها. وسميت بذلك لأنه لا يشرب منها إلا من سأل الله إليها سبيلا بالعمل الصالح. وقرأ طلحة سلسبيل بغير تنوين للعلمية والتأنيث ، (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أي دائمون على ما هم عليه من الطراوة والبهاء. وقيل : أي محلون كما رواء نفطويه عن ابن الأعرابي أو مسورون كما رواه الفراء وهم خلقوا في الجنة لخدمة أهل الجنة كالحور ، ولم يخلقوا عن ولادة على الصحيح ، (إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) (١٩) لصفاء ألوانهم وإشراق وجوههم وانعكاس أشعة بعضهم إلى بعض ، وانتشارهم في مجالسهم ومنازلهم ، (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) أي في أي مكان كان في الجنة (رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) (٢٠) وفي الحديث : «أدنى أهل الجنة منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه» (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) وهو ما لطف من الديباج.
قرأ نافع وحمزة «عاليهم» بإسكان الياء مبتدأ ، و «ثياب» خبره أي ما يعلوهم من لباسهم ثياب سندس. والباقون بفتح الياء على أنه ظرف خبر مقدم ، و «ثياب» مبتدأ مؤخر ، والجملة صفة ثانية لـ «ولدان» ، أي يطوف عليهم ولدان فوقهم ثياب سندس إلخ. وقيل : «عاليهم» حال من ضمير «عليهم» أي ويطوف على الأبرار ولدان عاليا للمطوف عليهم ثياب إلخ أي فوق حجالهم المضروبة عليهم ثياب سندس ، (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) وهو ما ثخن من الديباج.
قرأ نافع وعاصم «كلاهما» بالرفع. وقرأ الكسائي وحمزة «كلاهما» بالخفض. وقرأ ابن كثير «خضر» بالخفض ، و «إستبرق» بالرفع. وقرأ أبو عمرو ، وعبد الله بن عامر «خضر» بالرفع ،