غم عليكم فاقدروا له». أي قدروا له السير في المنازل (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٢٤) بقدرتنا على البدء والإعادة بعد الموت ، (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً) (٢٦) ، أي ألم نجعل الأرض موضعا يضم أحياء كثيرة على ظهره ، وأمواتا غير محصورة في بطنه ، فالأحياء يسكنون في منازلهم ، والأموات يدفنون في قبورهم.
ونقل القفال عن ربيعة : أنه قال : دلت هذه الآية على وجوب قطع النباش ، لأن الأرض كانت حرزا للميت. (وَجَعَلْنا فِيها) أي على ظهر الأرض (رَواسِيَ) ، أي جبالا ثوابت لا تزول (شامِخاتٍ) أي عاليات (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) (٢٧) ، أي غاية في العذوبة (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٢٨) بأمثال هذه النعم العظيمة وتقول لهم الزبانية بعد الفراغ من الحساب : (انْطَلِقُوا) يا معشر المكذبين (إِلى ما كُنْتُمْ) في الدنيا (بِهِ تُكَذِّبُونَ) (٢٩) من العذاب.
روي أن الشمس تقرب يوم القيامة من رؤوس الخلائق وليس عليهم يومئذ لباس ، ولا كنان ، فتلفحهم الشمس ، وتأخذ بأنفاسهم ويمتد ذلك اليوم ، ثم ينجي الله برحمته من يشاء إلى ظل من ظله تعالى ، فهناك يقولون : فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم وتقول : خزنة النار للمكذبين انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عقاب الله ، (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍ) أي إلى دخان جهنم. وقرأ يعقوب «انطلقوا» على لفظ الماضي ، أي فانقادوا للأمر لأجل أنهم لا يستطيعون امتناعا منه ، (ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) (٣٠) أي فرق ، وهي كون النار من فوقهم ومن تحث أرجلهم ومحيطة بهم (لا ظَلِيلٍ) ، أي لا يمنع حر الشمس ، (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) (٣١) أي ولا يدفع من لهب النار شيئا ، أو ولا يبعد من العطش ـ كما قاله قطرب ـ (إِنَّها) أي النار (تَرْمِي بِشَرَرٍ) وهو ما يتطاير من النار (كَالْقَصْرِ) (٣٢) من البناء في عظمه (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ) أي إبل (صُفْرٌ) (٣٣) ، أي في الحركة واللون ، فإن الشرار لما فيه من النار يكون أصفر ، وهذا تنبيه على أن في كل واحد من تلك الشرارات أنواعا من البلاء والمحنة ، فكأنه قيل : تلك الشرارات كالجمالات الموقرة بأنواع المحنة والبلاء.
قرأ حمزة والكسائي وحفص «جمالة» بغير ألف بعد اللام. والباقون بالألف (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٣٤) بهذه الأمور ، (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) (٣٥) فيه بحجة تنفعهم والسؤال قد انقضى قبل ذلك. وقرأ الأعمش بنصب «يوم» ، أي هذا الذي قص عليكم واقع يوم ينطقون ، (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٣٦) ، أي أنهم لم يؤذنوا في العذر ، وهم لم يعتذروا أيضا لا لأجل عدم الإذن بل لأجل عدم العذر في نفسه (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٣٧) بهذا اليوم (هذا) ، أي اليوم (يَوْمُ الْفَصْلِ) أي فصل حكومات جميع المكلفين (جَمَعْناكُمْ) يا معشر المكذبين من جميع هذه الأمة (وَالْأَوَّلِينَ) (٣٨) من المكذبين ، (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) (٣٩) ، أي فإن كان لكم حيلة في دفع الحقوق عن أنفسكم فافعلوها وغالبوني ، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٤٠) بالبعث (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ) أي في ظلال شجرة ، (وَعُيُونٍ) (٤١) أي ماء ظاهر جار.