دوامه فمن أضر الأشياء ، (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) (١٠) فإن ظلمة الليل تستر الإنسان عن العيون إذا أراد هربا من عدو ، أو إخفاء ما لا يحب الإنسان اطلاع غيره عليه ، وأيضا بسبب ما يحصل فيه من النوم يندفع عنه أذى التعب الجسماني ، وأذى الأفكار الموحشة النفسانية ، فإن المريض إذا نام بالليل وجد الخفة العظيمة ، (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) (١١) أي وقت معاش تتقلبون فيه في مكاسبكم ، (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) (١٢) أي خلقنا فوق رؤوسكم سبع سموات غلاظا قوية الخلق ، محكمة البناء ، لا يؤثر فيها مر الدهور ، (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) (١٣) أي شمسا مضيئة لبني آدم ، (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) ، أي السحائب بالرياح (ماءً ثَجَّاجاً) (١٤) أي صبابا. ويروي عن عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعكرمة أنهم قرءوا «وأنزلنا بالمعصرات» أي بالرياح المثيرة للسحاب ، (لِنُخْرِجَ بِهِ) أي بذلك الماء (حَبًّا) يقتات ، كالحنطة والشعير والأرز ، (وَنَباتاً) (١٥) لا يكون له كمام كالحشيش ، (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) (١٦) أي مجتمعة تداخل بعضها في بعض ، (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) (١٧) أي إن يوم فصل الله بين الخلائق كان في تقدير الله تعالى ميعاد الاجتماع كل الخلائق في قطع الخصومات ، وميقاتا لما وعد الله من الثواب والعقاب ، (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) نفخة البعث ، أي تنفخ الأرواح في الأجساد ، (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) (١٨) ، أي فتبعثون من قبوركم ، فتأتون إلى الموقف أمما ، كل أمة مع إمامها حتى يتكامل اجتماعهم ، (وَفُتِحَتِ السَّماءُ) لنزول الملائكة. قرأ عاصم وحمزة والكسائي خفيفة التاء. والباقون بتشديدها (فَكانَتْ أَبْواباً) (١٩) أي فصارت السماء ذات أبواب ، (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) في الجو على هيئاتها بعد قلعها من مقارها ، (فَكانَتْ سَراباً) (٢٠) أي فصارت بعد تسييرها مثل السراب إذ ترى على صورة الجبال ، ولم تبق على حقيقتها لتفتت أجزائها ، (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) (٢١) أي طريقا ، فخزنة الجنة يستقبلون المؤمنين عند جهنم يرصدون الكفار (لِلطَّاغِينَ) ، أي للمتكبرين على الله (مَآباً) (٢٢) أي مرجعا (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) (٢٣) ، أي حقبا بعد حقب. وقرأ حمزة «لبثين» بغير ألف (لا يَذُوقُونَ فِيها) ، أي الأحقاب (بَرْداً) أي هواء باردا ، ولا ماء باردا. وقال الأخفش والكسائي ، والفراء ، وقطرب ، والعتبي : أي نوما ، سمي بذلك لأنه يقطع سورة العطش ، (وَلا شَراباً (٢٤) إِلَّا حَمِيماً) أي ماء حارا جدا ، (وَغَسَّاقاً) (٢٥) باردا منتنا لا يطاق ، وهو المسمى بالزمهرير.
قرأ حمزة والكسائي وعاصم من رواية حفص عنه بتشديد السين ، (جَزاءً وِفاقاً) (٢٦) أي جوزوا بذلك جزاء موافقا لأعمالهم ، (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) (٢٧) ، أي كانوا لا يخافون ، أي يحاسبوا بأعمالهم أو إنهم كانوا غير مؤمنين وذلك لأن المؤمن لا بدّ وأن يرجو رحمة الله ، لأنه قاطع بأن ثواب إيمانه زائد على عقاب جميع المعاصي سوى الكفر ، (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بجميع دلائل الله تعالى في التوحيد والنبوة والمعاد (كِذَّاباً) (٢٨).
وقرئ بتخفيف الذال. وقرئ «كذابا» بضم الكاف وتشديد الذال جمع كاذب ، أي كذبوا