موصوفا بهذه الصفات. قيل : نزلت هذه الآية في النضر وأبيه الحرث ، (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي مقام حضرة ربه (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) (٤٠) أي عن الميل إلى الحرام الذي يشتهيه (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) (٤١) له ، قيل : نزلت الآيتان في أبي عزيز بن عمير ، ومصعب بن عمير ، وقد قتل مصعب أخاه أبا عزيز يوم أحد ، ووقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنفسه حتى استشهد رضياللهعنه.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال : (فَأَمَّا مَنْ طَغى) فهو أخو مصعب بن عمير ، أسر يوم بدر وأخذته الأنصار ، فقالوا : من أنت؟ قال : أنا أخو مصعب بن عمير فلم يشدوه في الوثاق وأكرموه وبيّتوه عندهم ، فلما أصبحوا حدثوا مصعب بن عمير حديثه فقال : ما هو بأخ له ، شدوا أسيركم فإن أمه أكثر أهل البطحاء حليا ومالا ، فأوثقوه حتى تبعث أمه فداءه (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) فمصعب بن عمير ، وقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنفسه يوم أحد حين تفرق الناس عنه حتى نفذت المشاقص في جوفه ، فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم متشحطا في دمه قال صلىاللهعليهوسلم : «عند الله أحتسبك» ، وقال صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : «لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وإن شراك نعله من ذهب»(١). (يَسْئَلُونَكَ) يا أشرف الخلق (عَنِ السَّاعَةِ) على سبيل الاستهزاء حين سمع المشركون وصفها بالأوصاف الهائلة مثل طامة وصاخة ، وقارعة : (أَيَّانَ مُرْساها) (٤٢) أي متى إقامتها ، أي في أيّ وقت يوجدها الله تعالى ، (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) (٤٣) أي في أيّ شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) (٤٤) ، أي إلى ربك يرجع منتهى علمها لم يؤته أحدا من خلقه ، (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) (٤٥) أي إنما أنت مخوف من يخاف هولها ، فالإنذار لا يتوقف على علم المنذر بوقت قيامها. وقرأ عمر بن عبد العزيز ، وأبو جعفر ، وطلحة ، وابن محيصن «منذر» بالتنوين ، وهو الأصل وحذف التنوين للتخفيف ، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال ، فإذا أريد الماضي فلا يجوز إلا الإضافة ، (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) (٤٦). وهذا إما تأكيد لما يدل عليه الإنذار من سرعة مجيء المنذر به ، أي كأن كفار قريش يوم يعاينون الساعة لم يلبثوا بعد الإنذار بها إلا عشية يوم واحد أو ضحاه ، وإما رد لما أدمجوه في سؤالهم فإنهم كانوا يسألون عن الساعة بطريق الاستبطاء مستعجلين بها ، ويقولون : متى هذا الوعد؟ فالمعنى : كأنهم يوم يرون قيام الساعة لم يلبثوا بعد الوعيد بها إلا عشية هي من الزوال إلى الغروب ، أو ضحى يومها واعتبار كون اللبث بعد الإنذار أو بعد الوعيد تحقيقا للإنذار وردا لاستبطائهم.
__________________
(١) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ : ٤٦) ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٦ : ٣٠١).