للموءودة إن القتل لا يجوز إلا لذنب عظيم ، فما ذنبك أيتها البنت ، فكان جوابها : إني قتلت بغير ذنب ، فيفتضح القاتل. وقرئ «قتلت» بكسر التاء للمخاطبة مع قراءة «سئلت» بقراءة الجمهور. وقرئ «سألت» بالبناء للفاعل ، أي خاصمت أباها ، أو سألت الله تعالى. وهذه القراءة مع قراءة «قتلت» بضم التاء للمتكلم ، وبسكونها على التأنيث فالقراءات الشاذة ثلاثة ، (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) (١٠) أي وإذا صحف الأعمال فرقت بين أصحابها عند الحساب ، وتطايرت في الأكف.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بتخفيف الشين. والباقون بتشديدها ، (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) (١١) أي أزيلت عما فوقها ، وهي الجنة وعرش الله. وقرأ ابن مسعود «قشطت» ، (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) (١٢) أي أوقدت إيقادا شديدا. وقرأ نافع وابن ذكوان وعاصم بتشديد العين. والباقون بتخفيفها (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) (١٣) ، أي قربت من المتقين.
وقال عبد الله بن زيد : أي زينت (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (١٤) أي ما قدمت من خير أو شر فإن الأعمال لما عملتها النفس فكأنها أحضرتها في الموقف ، (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ) (١٦) «لا» زائدة ، أي فأقسم بالكواكب الرواجع من آخر الفلك إلى أوله التي تجري مع الشمس والقمر التي تختفي تحت ضوء الشمس. وهي هذه الأنجم الخمسة : بهرام ، وزحل ، وعطارد ، والزهرة ، والمشتري ، ليس في الكواكب شيء يقطع المجرة غيرها ، كما أخرجه ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب. (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) (١٧) ، أي ذهب ، (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) (١٨) أي أضاء (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) (١٩) أي إن هذا الذي أخبركم به محمد من أمر الساعة على ما ذكر في هذه السورة ليس بكهانة ، ولا ظن ، ولا افتعال ، إنما هو قول جبريل أتاه به وحيا من عند الله تعالى أو أن القرآن لقول جبريل نزل به إلى محمد من جهة الله تعالى ، فهو رسول الله إلى الأنبياء ، وهو كريم لأنه يعطي أفضل العطايا وهو الهداية (ذِي قُوَّةٍ) أي شدة.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال لجبريل : «ذكر الله قوتك فماذا بلغت؟» قال : رفعت قريات قوم لوط الأربع على قوادم جناحي حتى إذ سمع أهل السماء نباح الكلاب وأصوات الدجاج قلبتها. وذكر مقاتل أن الأبيض ـ وهو شيطان ـ قصد أن يفتن النبي صلىاللهعليهوسلم فدفعه جبريل دفعة رفيقة وقع بها من مكة إلى أقصى الهند ، (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) (٢٠) أي ذي جاه عند الله تعالى ، فإنه يعطي ما يسأل ، وهذه العندية عندية إكرام وتشريف ، لا عندية مكان وجهة ، (مُطاعٍ ثَمَ) أي في السموات فتطيعه الملائكة ، فإنهم يصدرون عن أمره ، ويرجعون إلى رأيه (أَمِينٍ) (٢١) على وحي الله ورسالته ، قد عصمه الله من الخيانة والزلل ، (وَما صاحِبُكُمْ) أي نبيكم محمد يا معشر قريش (بِمَجْنُونٍ) (٢٢) ، كما زعمتم. والمقصود : من عدّ فضائل جبريل واقتصار النبي صلىاللهعليهوسلم على نفي الجنون ردّ قول الكفرة في حقه صلىاللهعليهوسلم ، إنما يعلمه بشر افترى على الله كذبا ، أم به جنة لا الموازنة بينهما ولا تفضيل جبريل على النبي ، ثم إنك إذا أمعنت النظر وقفت على أن إجراء تلك الصفات على جبريل في هذا