منه ، ثم لم أر منه كذبة ، ولا ضحكا ، ولا جاهلية ، ولا وقف مع صبيان يلعبون (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٧) أي وجدك خاليا من الشريعة فهداك بإنزالها إليك ، وقيل : وجدك ضالا عن عبد المطلب فردك إليه ، كما روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «ضللت عن جدي عبد المطلب ، وأنا صبي ضائع كاد الجوع يقتلني ، فهداني الله» وروي عن ابن عباس أن النبي صلىاللهعليهوسلم ضل في شعاب مكة وهو صبي فتعلق عبد المطلب بأستار الكعبة وقال :
اردده رب واصطنع عندي يداً |
|
يا رب رد ولدي محمدا |
فما زال يردد هذا عند البيت حتى أتاه أبو جهل على ناقة ومحمد بين يديه ، وهو يقول : لا تدري ماذا ترى من ابنك ، فقال عبد المطلب ولم قال : إني أنخت الناقة وأركبته من خلفي فأبت الناقة أن تقوم ، فلما أركبته أمامي قامت الناقة ، وكانت تقول : يا أحمق هو الإمام فكيف يقوم خلف المقتدي ، وقال ابن عباس : رده الله إلى جده بيد عدوه كما فعل بموسى حين حفظه على يد عدوه ، (وَوَجَدَكَ عائِلاً) أي فقيرا كما روي أن في مصحف عبد الله «ووجدك عديما» ، وقرأ اليماني «عيلا» بكسر الياء المشددة كسيد ، (فَأَغْنى) (٨) أي أغناك بالقناعة ، فصرت بحال يستوي عندك الحجر والذهب لا تجد في قلبك سوى ربك ، وقيل أغناك بمال أبي بكر وبهيبة عمر. روي أن عمر قال حين أسلم والأصحاب كانوا يعبدون الله سرّا : يا رسول الله ابرز أنعبد نحن اللات جهرا ونعبد الله سرا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «حتى تكثر الأصحاب» فقال : حسبك الله وأنا ، فقال تعالى : (حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال : ٦٤] وقيل أغناه الله تعالى بتربية أبي طالب ، ولما اختلت أحوال أبي طالب أغناه بمال خديجة ، ولما اختل ذلك أغناه بمال أبي بكر ، ولما اختل ذلك أمره بالهجرة ، وأغناه بإعانة الأنصار ، ثم أمره بالجهاد وأغناه بالغنائم ، ثم قال صلىاللهعليهوسلم : «جعل رزقي تحت ظل رمحي» (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (٩) أي لا تحتقر اليتيم فقد كنت يتيما كما قاله مجاهد ، أو فلا تغلبه على ماله ، وقرئ «فلا تكهر» أي فلا تعبس وجهك إليه ، وروي أن هذه الآية نزلت حين صاح النبي صلىاللهعليهوسلم على ولد خديجة وإذا كان هذا العتاب بمجرد الصياح أو العبوسة في الوجه ، فكيف إذا أذل التيم أو أكل ماله؟ وروي أن موسى عليهالسلام قال : إلهي بما نلت ما نلت قال الله تعالى : «أتذكر حيث هربت منك السخلة فلما قدرت عليها قلت أتعبت نفسك ، ثم حملتها فلهذا السبب جعلتك وليا على الخلق ، فلما نال موسى عليهالسلام النبوة بالإحسان إلى الشاة فكيف بالإحسان إلى اليتيم ، (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (١٠) أي لا تغلظ له القول ، بل رده ردا لينا برفق والمراد من السائل. مطلق السائل. روي أنه صلىاللهعليهوسلم كان جالسا فجاء عثمان بتمر فوضعه بين يديه ، فأراد أن يأكل فوقف سائل بالباب فقال : رحم الله عبدا يرحمنا فأمر بدفعه إلى السائل فكره عثمان ذلك وأراد أن يأكله النبي صلىاللهعليهوسلم ، فخرج واشتراه من السائل ، ثم رجع السائل وكان النبي يعطيه ففعل