والمسلمون من ذلك ، فأنزل الله هذه الآية أي ليلة القدر لأمتك خير من ألف شهر لذلك الإسرائيلي الذي حمل السلاح ألف شهر ، وقيل كان ملك سليمان خمسمائة شهر ، وملك ذي القرنين خمسمائة شهر ، فجعل الله تعالى العمل في هذه الليلة لمن أدركها خيرا من ملكهما ، وقال الحسن بن علي رضياللهعنهما : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى في منامه إن بني أمية يطئون منبره صلىاللهعليهوسلم واحدا بعد واحد ، وفي رواية ينزون على منبره نزو القردة ، فشق ذلك عليه صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله هذه السورة ، ثم قال القاسم بن فضل : فحسبنا ملك بني أمية فإذا هو ألف شهر فكأن الله تعالى يقول : أعطيتك يا أشرف الخلق ليلة هي في السعادات الدينية أفضل من السعادات الدنيوية في أيام ملك بني أمية ، ومن المعلوم أن الطاعة في ألف شهر أشق من الطاعة في ليلة واحدة لكن الفعل الواحد قد يختلف حاله في الحسن والقبح بسبب اختلاف الوجوه. ألا ترى أن صلاة الجماعة تفضل على صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة مع أن صلاة الجماعة قد تنقص صورة فإن المسبوق سقطت عنه ركعة واحدة وأيضا فأنت إذا قلت لمن يرجم بالزنا هذا زان فلا بأس ، ولو قلته للنصراني فهو قذف يوجب التعزير ولو قلته للمحصن فهو قذف يوجب الحد ، ولو قلته في حق عائشة كان ذلك القول كفرا ، ثم القائل بقوله : هذا زان قد ظن أن هذه اللفظة سهلة مع أنها أثقل من الجبال ، فثبت بهذا أن الأفعال تختلف آثارها في الثواب والعقاب لاختلاف وجوهها فلا يبعد أن تكون الطاعة القليلة في الصورة مساوية في الثواب للطاعات الكثيرة. (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (٤) روي أنه إذا كان ليلة القدر تنزل الملائكة ، وهم سكان سدرة المنتهى ، وجبريل ومعه أربعة ألوية فينصب لواء على قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولواء على ظهر بيت المقدس ، ولواء على ظهر المسجد الحرام ، ولواء على ظهر طور سيناء ولا يدع بيتا فيه مؤمن أو مؤمنة إلا دخله وسلم عليه يقول : يا مؤمن أو يا مؤمنة السلام يقرئكم السلام إلا على مدمن خمر ، وقاطع رحم ، وآكل لحم خنزير ، وقوله : بإذن ربهم متعلق بـ «تنزّل» أو بمحذوف هو حال من فاعله أي متلبسين بأمر ربهم فإنهم لا يتصرفون تصرفا ما إلا بأمره ، وقوله : «من كل أمر» متعلق بـ «تنزّل» أي تنزل أولئك في تلك الليلة من أجل كل أمر قضاه الله تعالى لتلك السنة إلى عام قابل ، فكل واحد منهم نزل لأمر آخر.
عن النبي صلىاللهعليهوسلم إنه قال : «إن الله يقدر المقادير في ليلة البراءة» أي وهو نصف شعبان فإذا كان ليلة القدر يسلمها إلى أربابها ، وقرئ «من كل امرئ» أي من أجل كل إنسان فإن الملائكة يرون في الأرض أنواع الطاعات التي لم يروها في عالم السموات. (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (٥) فـ «سلام» خبر مقدم و «هي» مبتدأ مؤخر أي تلك الليلة سالمة عن الرياح والأذى والصواعق ، ومن كل آفة كما قاله أبو مسلم ، وابن عباس و «حتى» متعلق بـ «تنزّل» أي أن الملائكة ينزلون فوجا فوجا من ابتداء الليل إلى طلوع الفجر فترادف النزول لكثرة سلامهم على أهل الصوم