فصرتم في المقابر زوارا تسيرون عنها إلى مكان الحساب. يقال لمن مات : قد زار قبره ، وإنما يقال ذلك لأنه لا بد له من انتقال عنها إلى منزله من جنة أو نار. (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣) أي حقا سوف تعلمون عند الموت حين يقال لكم لا بشرى وفي وقت سؤال القبر ، (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٤) عند النشور حين ينادي المنادي فلان شقي شقاوة لا سعادة بعدها أبدا ، وحين يقال وامتازوا اليوم. (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (٥) وجواب (لَوْ) محذوف أي حقا لو علمتم لأي أمر خلقتم لاشتغلتم به وما تفاخرتم في الدنيا ، ويقال : إن المعنى لو تعلمون علم الموت وما يلقى الإنسان معه وبعده في القبر وفي الآخرة لم يلهكم التفاخر عن ذكر الله. (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٦) وهذا جواب قسم محذوف أي والله لترون عذاب الجحيم فإنها يراها المؤمنون أيضا فكان الوعيد في رؤية عذابها لا في رؤية نفسها.
وقرأ ابن عامر ، والكسائي بضم التاء أي أنهم يحشرون إلى الجحيم فيرونها ، (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) (٧) أي ثم لترون نفس الجحيم بعين اليقين فإنهم في المرة الأولى رأوا لهبا لا غير ، وفي المرة الثانية رأوا نفس الحفرة وكيفية السقوط فيها وما فيها من الحيوانات المؤذية ، ولا شك أن هذه الرؤية أجلى ، والحكمة في النقل من العلم الأخفى إلى الأجلى ، التقريع على ترك النظر لأنهم كانوا يقتصرون على الظن ولا يطلبون الزيادة ، (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ) أي يوم رؤية الجحيم (عَنِ النَّعِيمِ) (٨) في الدنيا فسؤال المؤمن سؤال تشريف وتبشير بأن يجمع له بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة لأنه شكر النعم ، وسؤال الكافر توبيخ وتقريع لأنه ترك الشكر حيث قابل نعيم الدنيا بالكفر والعصيان ، وروى الحاكم في الحديث : «ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ ألف آية في كل يوم» قالوا : ومن يستطيع أن يقرأ ألف آية قال : «أو ما يستطيع أحدكم أن يقرأ ألهاكم التكاثر» (١).
سورة والعصر
مكية ، ثلاث آيات ، أربع عشرة كلمة ، ثمانية وستون حرفا
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالْعَصْرِ) (١) أي الدهر أقسم الله به لأنه مشتمل على الأعاجيب لأنه يحصل فيه السراء ، والضراء ، والصحة ، والسقم ، والغنى ، والفقر ، بل فيه ما هو أعجب من كل عجيب ، أو هو
__________________
(١) رواه ابن كثير في البداية والنهاية (٦ : ١٧٣) ، والبيهقي في دلائل النبوّة (٦ : ٣٢).