هذه النعمة الجليلة خلاف الساهين عنها المرائين فيها أداء لحقوق شكرها ، فإن الصلاة جامعة لجميع أقسام الشكر ، (وَانْحَرْ) (٢) أي استقبل القبلة بنحرك كما قاله ابن عباس ، والفراء ، والكلبي ، وأبو الأحوص كأنه تعالى يقول : الكعبة بيتي ، وهي قبلة صلاتك ، وقلبك قبلة رحمتي ، ونظر عنايتي ، فلتكن القبلتان متناحرتين أي متقابلتين ، (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (٣) أي إن مبغضك هو المنقطع عن كل خير ، وهو أبو جهل كما قاله ابن عباس.
روي أن أبا جهل اتخذ ضيافة لقوم ، ثم إنه وصف رسول الله بالأبتر ، ثم قال : قوموا حتى نذهب إلى محمد وأصارعه وأجعله ذليلا حقيرا ، فلما وصلوا إلى دار خديجة ، وتوافقوا على ذلك ، أخرجت خديجة بساطا ، فلما تصارعا جعل أبو جهل يجتهد في أن يصرعه وبقي صلىاللهعليهوسلم واقفا كالجبل ، ثم بعد ذلك رماه النبي صلىاللهعليهوسلم على أقبح وجه ، فلما رجع أخذه باليد اليسرى ، فصرعه على الأرض مرة أخرى ، ووضع قدمه على صدره ، أو هو أبو لهب كما قاله عطاء فإنه صلىاللهعليهوسلم لما شافهه بقوله : تبا لك ، كان أبو لهب يقول في غيبته أنه صلىاللهعليهوسلم أبتر ، فنزلت هذه الآية أو هو العاص بن وائل السهمي ، كما قاله عكرمة.
روي أن العاص بن وائل كان يقول : إن محمدا أبتر لا ابن له يقوم مقامه بعده ، فإذا مات انقطع ذكره واسترحتم منه ، وكان قد مات ابنه عبد الله من خديجة ، وهذا قول ابن عباس ومقاتل والكلبي ، وعامة أهل التفسير ، أو هو عقبة بن أبي معيط ، كما قاله شمر بن عطية ، فإنه هو الذي كان يقول ذلك ، ووصف الله تعالى العدو بكونه شانئا ، إشارة إلى وعده تعالى لرسوله بقهر العدو كأنه تعالى يقول : هذا الذي يبغضك لا يقدر على شيء آخر سوى أنه يبغضك ، فيحترق قلبه غيظا وحسدا.
__________________
ـ والزيلعي في نصب الراية (٣ : ٤٣٩) ، والدار قطني في السنن (٣ : ٦٠) ، والتبريزي في مشكاة المصابيح (٦٢١٠).