بعسكر لا يطيقه أحد ولما سمع أبو سفيان أذان القوم للفجر وكانوا عشرة آلاف فزع من ذلك فزعا شديدا ، وسأل العباس ، فأخبره بأمر الصلاة ، ودخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة على راحلته ولحيته على قربوس سرجه ، كالساجد تواضعا وشكرا ، ثم التمس أبو سفيان الأمان فقال : «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن». فقال : ومن تسع داري فقال : «ومن دخل المسجد فهو آمن» فقال : ومن يسع المسجد فقال : «من ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن» ، ثم وقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم على باب المسجد وقال : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده» ثم قال : «يا أهل مكة ما ترون أني فاعل بكم» ، فقالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم فقال : «اذهبوا ، فأنتم الطلقاء» (١) ، فأعتقهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد كان الله تعالى أمكنه من رقابهم عنوة ، وكانوا له فيئا ، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء ، ثم بايعوه على الإسلام ، وأقام صلىاللهعليهوسلم في مكة خمس عشرة ليلة ، ثم خرج إلى هوازن.
وقرئ «فتح الله» و «النصر». (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) (٢) ، أي وأبصرت الناس يدخلون في ملة الإسلام جماعات كثيفة كأهل مكة ، والطائف ، واليمن ، وهوازن ، وسائر قبائل العرب ، وكانوا قبل ذلك فيه واحدا واحدا ، واثنين اثنين. وقرئ «يدخلون» على البناء للمفعول (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ). أي فقل سبحان الله حامدا له ، (وَاسْتَغْفِرْهُ) أي واطلب غفرانه هضما لنفسك واستقصارا لعملك ، واستعظاما ، لحقوق الله ، واستدراكا لما فرط منك من ترك الأولى ، وكأنه تعالى يقول : إذا جاء نصر الله إياك والمؤمنين ، والفتح ، ودخول الناس في دينك فاشتغل أنت بالتسبيح والحمد والاستغفار (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) (٣) أي إنه تعالى يكثر قبول التوبة لكثير من التائبين ، والتوبة اسم للرجوع والندم ، والإنسان قد يقول : أستغفر الله وليس بتائب ، فيكون كاذبا وكان تقدير الكلام : واستغفره بالتوبة ، وفي هذا تنبيه على أن خواتيم الأعمال يجب أن تكون بالتوبة والاستغفار ، وكذا خواتيم الأعمار.
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم لم يجلس مجلسا إلا ختمه بالاستغفار. وعن عائشة : كان نبي الله في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ، ولا يذهب ، ولا يجيء إلا قال : «سبحان الله وبحمده» فقلت : يا رسول الله إنك تكثر من قول سبحان الله وبحمده؟ قال : «إني أمرت بها» وقرأ (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ). وعن ابن مسعود لما نزلت هذه السورة كان صلىاللهعليهوسلم يكثر أن يقول : «سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الغفور» (٢).
__________________
(١) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (٢ : ١٢٧).
(٢) رواه أحمد في (م ١ / ص ٢٨١) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٩ : ٧) ، وابن كثير في التفسير (٨ : ٥٣٤) ، والبغوي في شرح السنة (٥ : ١٢٨) ، والطبري في التفسير (٣٠ : ـ