يدي الجدي ، وقد حصل له وجود الاعتقاد الباطل ، والقول الباطل ، والعمل الباطل (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) (٢) أي أيّ تأثير كان لماله وكسبه في دفع البلاء عنه ، فإنه لا أحد أكثر مالا من قارون ، فهل دفع الموت عنه؟ ولا أعظم ملكا من سليمان فهل دفع الموت عنه؟ أو لا ينفع أبا لهب ماله وكسبه عند ذلك ، فـ «ما» في «ما أغنى» للنفي؟ أو للاستفهام و «ما» في «ما كسب» إما مصدرية أو موصولة حذف عائدها ، أو استفهامية أي أيّ شيء كسب فينفعه. روي أن أبا لهب كان يقول : إن كان ما يقول ابن أخي حقا فأنا أفتدي منه نفسي بمالي وولدي فاستخلص منه ، وقد خاب مرجاه وما حصل ما تمناه ، فافترس أسد ولده عتيبة بالتصغير في طريق الشام فأنزل الله تعالى هذه الآية. والكسب : هو أرباح ماله. وقيل : نتاج ماشيته. وقال ابن عباس : وما كسب هو ولده والدليل عليه قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه»(١) وقال صلىاللهعليهوسلم : «أنت ومالك لأبيك» (٢). ومات أبو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر لسبع ليال. والعدسة : بثرة تخرج بالبدن فتقتل ، (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) (٣) أي سيدخل أبو لهب في الآخرة نارا عظيمة ذات اشتعال. وقرئ بضم الياء وفتح اللام مخففا ومشددا ، (وَامْرَأَتُهُ) معه أم جميل العوراء بنت حرب أخت أبي سفيان صخر بن حرب ، واسمها العواء. وقيل : اسمها أروى. وقرئ و «مريئته» بالتصغير للتحقير ، (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٤) وماتت مخنوقة بحبلها وكانت لشدة عداوتها للنبي صلىاللهعليهوسلم تحمل بنفسها الشوك والحطب ، فتنثره بالليل في طريق النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان عليهالسلام يطؤه كما يطأ الحرير. وقرأ عاصم بالنصب على الشتم ، أو على الحال إذا أريد بحمل الحطب في مطلق الزمن ، وقرأ الباقون بالرفع على أنه نعت لامرأته إذا أريد به المضي. وقرئ «حمالة للحطب» بالتنوين نصبا ورفعا فالرفع على الخبر لامرأته ، والنصب على الشتم أو على الحال من «امرأته» إن جعلناها مرفوعة بالعطف على الضمير المستتر ، فإنها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب النار كما كانت تحمل الحطب في الدنيا لأذية الرسول ، وحينئذ فجملة «في جيدها» في موضع الحال من «امرأته» وإن جعلناها مرفوعة بالابتداء فجملة «في جيدها» إلخ هو الخبر. (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (٥) أي من حديد في الآخرة ، فقد قال ابن عباس : هو سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا تدخل من فيها ، وتخرج من دبرها ، ويكون سائرها في عنقها ،
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٣٥٣٠) ، وابن ماجة في السنن (٢٢٩١) ، وأحمد في (م ٢ / ص ٢٠٤) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٧ : ٤٨٠) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (٤ : ١٥٤) ، وابن حجر في تلخيص الحبير (٣ : ١٨٩) ، وعبد الرزاق في المصنف (١٦٦٢٨) ، والسيوطي في الدر المنثور (١ : ٣٤٧) ، والقرطبي في التفسير (٥ : ٤١٢).
(٢) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ : ٨٢) ، والحاكم في المستدرك (٣ : ٧٤) ، وأحمد في (م ٤ / ص ١٦١).