الصَّمَدُ)» فقالوا : وما الصمد؟ فقال : «الذي يصمد إليه الخلق في الحوائج». فقالوا : زدنا ، فنزل (لَمْ يَلِدْ) كما ولدت مريم (وَلَمْ يُولَدْ) كما ولد عيسى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) أي ليس له نظير من خلقه.
وقال الضحاك وقتادة ومقاتل : جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك ، فإن الله تعالى أنزل صفته في التوراة ، فأخبرنا من أيّ شيء هو؟ وهل يأكل ويشرب؟ ومن ورث؟ ومن يرثه؟ فنزلت هذه السورة وصفات الله تعالى إما أن تكون إضافية ، وإما أن تكون سلبية.
أما الإضافية : فكقولنا : عالم قادر مريد خلاق.
وأما السلبية : فكقولنا : ليس بجسم ولا بجوهر ، ولا بعرض ، وقولنا : الله يدل على مجامع الصفات الإضافية وقولنا : أحد يدل على مجامع الصفات السلبية ، وذلك لأن الله تعالى هو الذي يستحق العبادة ، واستحقاق العبادة ليس إلا لمن يستبد بالإيجاد فالاستبداد بالإيجاد ، لا يحصل إلا لمن كان موصوفا بالقدرة التامة ، والإرادة النافذة ، والعلم المتعلق بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات ، والمراد من الأحدية كون تلك الحقيقة في نفسها مفردة منزهة عن أنحاء التراكيب. (اللهُ الصَّمَدُ) (٢) أي السيد المصمود إليه في الحوائج.
وقال ابن مسعود والضحاك : الصمد هو السيد الذي قد انتهى سؤدده. وقيل : الصمد هو الذي ليس فوقه أحد فلا يخاف من فوقه ، ولا يرجو من تحته ، ترفع الحوائج إليه. وقال قتادة : الصمد الباقي بعد فناء خلقه ، والذي لا يأكل ولا يشرب ، وهو يطعم ولا يطعم.
وقال أبيّ بن كعب : هو الذي لا يموت ولا يورث ، وله ميراث السموات والأرض.
وقال ابن كيسان : هو الذي لا يوصف بصفة أحد.
قال مقاتل بن حبان : هو الذي لا عيب فيه (لَمْ يَلِدْ) أي لم يصدر عنه ولد لأنه لم يجانسه شيء ، (وَلَمْ يُولَدْ) (٣) أي لم يصدر عن شيء لاستحالة نسبة العدم إليه تعالى سابقا ولاحقا. ويقال : لم يلد ، أي ليس له ولد فيرث ملكه ، ولم يولد أي ليس له والد فيرث عنه الملك ، فلم يرث ولم يورث ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (٤) أي لم يشاكله أحد من صاحبة وغيرها ، فيمتنع أن يكون شيء من الموجودات مساويا له تعالى في شيء من صفات الجلال والعظمة ، ثم الآية الأولى : تبطل مذهب الثنوية القائلين : بالنور والظلمة ، والنصارى : في التثليث. والصائبين : في الأفلاك والنجوم.
والآية الثانية : تبطل مذهب من أثبت خالقا سوى الله ، لأنه لو وجد خالق آخر لما كان الحق مصمودا إليه في طلب جميع الحاجات.