العقول في عزته وعظمته ، فيعرف أنه إله حقيقة (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) بفتح الواو هو بمعنى الموسوس وهو الشيطان (الْخَنَّاسِ) (٤) أي الذي يتأخر عند ذكر الإنسان ربه والوقف هنا كاف لمن رفع ما بعده أو نصبه على الشتم ، ولا وقف هنا لمن جعل ما بعده نعتا للوسواس ، (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) (٥) أي في قلوب الغافل عن ذكر الله ، وسقوط الياء عن الناس كسقوطها في قوله تعالى : (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) [القمر : ٦] (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦) بيان للناسي عن ذكر الله فإنهما النوعان الموصوفان بنسيان حق الله تعالى ، وعلى هذا لا يحتاج إلى تكلف بعض العلماء من جعل قوله : (مِنَ الْجِنَّةِ) بيانا للوسواس ، وجعل قوله : (وَالنَّاسِ) عطفا عليه ، فكأنه قيل : من شر الوسواس الذي يوسوس ، وهو الجن ومن شر الناس اه. ومن جعل قوله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) عطفا على (الْوَسْواسِ) بتقدير حرف العطف. فالمعنى : قل أعوذ برب الناس من الوسواس الخناس ومن الجنة والناس ، كأنه استعاذ بربه من الشيطان الواحد ، ثم استعاذ بربه من جميع الجنة والناس ، وفي هاتين السورتين لطيفة وهي أن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة ، وهي أنه رب الفلق والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات : وهي الغاسق ، والنفاثات ، والحاسد. أما في هذه السورة المستعاذ به مذكور بصفات ثلاثة : وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة ، وهي الوسوسة ، والفرق بين الموضعين أن الثناء يجب أن يتقدر بقدر المطلوب ، فالمطلوب في السورة الأولى : سلامة النفس والبدن ، والمطلوب في السورة الثانية : سلامة الدين.
وهذا تنبيه على أن مضمرة الدين وإن قلت أعظم من مضار الدنيا ، وإن عظمت ، والله أعلم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقد انتهى ما منّ الله به علينا من المعاني الميسّرة والألفاظ المسهّلة في خامس ربيع الآخر ليلة الأربعاء عام سنة ١٣٠٥ ألف وثلاثمائة وخمسة على يد الفقير إلى الله تعالى محمد نووي غفر الله له ولوالديه ، ولمشايخه ، ولإخوانه المسلمين ، وصلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين آمين