لَهُمْ) أي ليحضروا منافع مختصة بهذه العبادة كائنة لهم دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادة كحصول المغفرة والأموال وقوله تعالى : (لِيَشْهَدُوا) متعلق بـ «يأتوك» (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) وهي أيام عشر ذي الحجة كما اختاره الشافعي وأبو حنيفة لأنه معلوم عند الناس لحرصهم على علمه من أجل أن وقت الحج في آخره. وقال ابن عباس في رواية عطاء : إن أياما معلومات يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، كما اختاره أبو مسلم وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهمالله تعالى. والمراد بالذكر ما وقع عند الذبح كان يقول الذابح باسم الله ، والله أكبر اللهم منك وإليك ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) أي لأجل ما رزقهم من الإبل والبقر والغنم ، قال القفال : وكأن المتقرب بها وبإراقة دمائها متصور بصورة من يفدي نفسه بما يعادلها فكأنه يبذل تلك الشاة بدل مهجته طلبا لمرضاة الله تعالى واعترافا بأن تقصيره كاد يستحق مهجته (فَكُلُوا مِنْها) أي فاذكروا اسم الله على ضحاياكم فكلوا من لحومها (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) (٢٨).
قال ابن عباس : البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه. والفقير الذي تكون ثيابه نقية ووجهه وجه غناء. قال الشافعي : لا يأكل من الواجب شيئا وذلك مثل دم التمتع والقرآن وجزاء الصيد والنذر وغير ذلك. وقال ابن عمر وأحمد وإسحاق : لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ويأكل مما سوى ذلك. وقال مالك : يأكل من هدي التمتع ومن كل هدى وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والنذر. وعن أصحاب أبي حنيفة أنه يأكل من التمتع ودم القرآن ولا يأكل من واجب سواهما (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) أي ثم بعد خروجهم من الإحرام ليقطعوا أدرانهم كالشارب والأظفار والإبط والعانة (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) أي ما أوجبوه على أنفسهم ما لم يكن الحج يقتضي وجوب ذلك من الضحايا وغيرها.
وقرأ أبو بكر بفتح الواو وتشديد الفاء أي ليتموا ذلك (وَلْيَطَّوَّفُوا) الطواف الذي يتم به التحلل (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (٢٩) أي القديم ، لأنه أول بيت بني وقد أعتق من غرق الطوفان زمن نوح ومن تسلط كل جبار دخل فيه ليهدمه ، وهو بيت كريم لم يملك قط. وفي قراءة أبي عمر وتحريك اللامات الثلاثة بالكسر. وفي قراءة ابن ذكوان بكسر اللامين الأخيرين. وفي قراءة الباقين بإسكان الكل (ذلِكَ) خبر مبتدأ محذوف ويذكر للفصل بين كلامين أي الشأن ، ذلك المذكور من قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا) إلى هنا أو مبتدأ خبره محذوف أي ذلك الأمر لازم لكم أو مفعول لمحذوف أي احفظوا ذلك (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) أي ومن يعظم جميع تكاليف الله تعالى من مناسك الحج وغيرها بالعمل بموجبه فتعظيمه قربة عند الله يثاب عليها في الآخرة (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ) أي رخصت لكم حال الإحرام ذبيحة الأنعام وأكل لحومها (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) أي إلا ما يتلى عليكم آية تحريمه مما حرم منها لعارض كالميتة