وما أهل به لغير الله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) أي فاجتنبوا القذر الذي هو الأوثان فعبادة الأوثان قذر معنوي (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (٣٠) أي القول المنحرف عن الواقع كالافتراء على الله تعالى بأنه حكم بتحريم البحائر والسوائب ونحوهما. (حُنَفاءَ لِلَّهِ) أي مائلين عن كل دين زائغ إلى الدين الحق (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) شيئا من الأشياء وهذان حالان من واو «فاجتنبوا» فالأولى مؤسسة والثانية مؤكدة. (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) (٣١) أي إن بعد من أشرك بالله عن الحق كبعد من سقط من السماء فذهب كالطير حيث تشاء فإن الأهواء المردية توزع أفكاره أو قذفت به الريح في مكان بعيد ، فإن الشيطان قد طرحه في وادي الضلالة. أو المعنى من أشرك بالله فقد هلكت نفسه هلاكا شبيها باستلاب الطير لحمه وتفرق أجزائه في حواصلها أو بسقوطه في المكان البعيد بعصف الريح به (ذلِكَ) أي الأمر ذلك التباعد لمن أشرك بالله أو امتثلوا ذلك أمر الله (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) أي معالم الحج وهي الهدايا (فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (٣٢) أي فإن تعظيمها من أفعال دوي تقوى القلوب وتعظيمها اعتقاد أن التقرب بها من أجل القربات وأن يختارها حسانا سمانا غالية الأثمان. روي أنه صلىاللهعليهوسلم أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة من ذهب. وأن عمر أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار. وسميت الهدايا شعائر لتعليمها بعلامة يعرف بها أنها هدايا كطعن حديدة في سنامها وتعليق النعال في أعناقها وتعليق آذان القرب في آذان الغنم (لَكُمْ فِيها) أي الشعائر واجبة أو مندوبة (مَنافِعُ) مع تسمية الأنعام هدايا بأن تركبوها إن احتجتم إليها وتركبوها لغيركم بلا أجرة ، فإن كان إركابها بأجرة حرم وإن تشربوا ألبانها الفاضلة عن ولدها إذا اضطررتم إليها (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي إلى أن تنحروها ولا تسمى الأنعام شعارا قبل أن تسمى هديا ، كما اختاره الشافعي. وروى أبو هريرة أنه صلىاللهعليهوسلم مر برجل يسوق بدنة وهو في جهد فقال صلىاللهعليهوسلم : «اركبها ويلك»(١). (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (٣٣) أي ثم أعظم هذه المنافع وقت وجوب نحر الهدايا منتهية إلى الحزم كله. قال صلىاللهعليهوسلم : «كل فجاج منى منحر» (٢). (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم السالفة من عهد إبراهيم عليهالسلام إلى من بعده (جَعَلْنا مَنْسَكاً) أي قربانا يتقربون إلى الله تعالى.
وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما «منسكا» بكسر السين ، أي مذبحا وهو موضع ذبح القربان. وقرأ الباقون بالفتح وهو إراقة الدم لوجه الله تعالى وهو ذبح القرابين (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ)
__________________
(١) رواه ابن ماجة في كتاب المناسك ، باب : ركوب البدنة وأبو داود في كتاب المناسك ، باب : في ركوب البدن ، والنسائي في كتاب مناسك الحج ، باب : ركوب البدنة ، وأحمد في (م ٢ / ص ٢٥٤).
(٢) رواه أحمد في (م ٤ / ص ٨٢).