الله الأعمال الطاهرة منكم فمنها التصديق باللحم : وهو من عمل العبد فيرفع إلى الله وأما نفس اللحم المتصدق به : فلا يرفع إلى الله. والمعنى : إن الله لا يثيبكم على لحمها إلا إذا وقع موقعا من وجوه الخير وهو امتثال أمره تعالى وتعظيمه والإخلاص له تعالى.
وروي أنهم كانوا في الجاهلية يضربون لحم الأضاحي على حائط الكعبة ويلطخونها بدمها فأراد المسلمون أن يفعلوا فعل المشركين من الذبح وتشريح اللحم منصوبا حول الكعبة وتضميخ الكعبة بالدم تقربا إلى الله تعالى فنزلت هذه الآية : (كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) أي إنما سخّر الله تعالى البدن لكم هكذا لتشكروا الله تعالى على إرشادكم إلى أعلام دينكم وإلى كيفية التقرب بها ، وإلى طريق تذليلها ولتقولوا : الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (٣٧) أي المخلصين في كل ما يأتون وما يذرون في أمور دينهم (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو «يدفع» بفتح الياء وسكون الدال وفتح الفاء والباقون بضم الياء وفتح الدال مع الألف وكسر الفاء أي يبالغ في دفع ضرر المشركين عن الذين آمنوا (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ) في أمانات الله تعالى وهي أوامره ونواهيه (كَفُورٍ) (٣٨) لنعمته وهم المشركون فإنهم أقروا بالصانع وعبدوا غيره فأي خيانة أعظم من هذا (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ).
قرأ أهل المدنية والبصرة وعاصم في رواية حفص «أذن» بالبناء للمجهول. والباقون بالبناء للفاعل. وقرأ أهل المدنية وعاصم «يقاتلون» بالبناء للمفعول. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ببناء الفعلين للفاعل وأبو عمرو وأبو بكر بناء الأول للمفعول والثاني للفاعل. وابن عامر عكس هذا أي أذن الله بعد الهجرة للذين يريدون قتال المشركين في أن يقاتلوا (بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) قيل : نزلت هذه الآية في قوم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدنية فاعترضهم مشركو مكة فأذن الله لهم في قتال الكفار الذين يمنعونهم من الهجرة بسبب أنهم مظلمون بالإيذاء. وقيل : كان مشركو مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أذى شديدا ، وكانوا يأتونه صلىاللهعليهوسلم من بين مضروب ومشجوج يشكون إليه فيقول لهم : اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزل الله تعالى هذه الآية. وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ) أي نصر المؤمنين الذين يقاتلهم المشركون عليهم (لَقَدِيرٌ) (٣٩) وعد الله للمؤمنين بالنصر على طريق الكناية كما وعد بدفع أذى الكفار عنهم (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) مكة المعظمة فالموصول إما نعت للموصول الأول أو الثاني ، أو بيان له أو بدل منه ، وإما منصوب على المدح أو مرفوع بإضمار مبتدأ على المدح (بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ). وهذا بدل من حق أي أنهم أخرجوا من مكة بغير سبب إلا بقولهم : ربنا الله وحده ومحمد رسوله إلينا ، فالتوحيد هو الذي ينبغي أن يكون سبب التمكين في مكة لا سبب الإخراج فالإخراج به إخراج بغير حق (وَلَوْ لا دَفْعُ