عليهالسلام ، وكذب قوم إبراهيم المتكبرون إبراهيم عليهالسلام ، وكذب قوم لوط الأنجاس لوطا عليهالسلام ، وكذب قوم شعيب أرباب الأموال المجموعة شعيبا عليهالسلام ، وكذب أهل مصر وهم القبط موسى عليهالسلام ، (فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ) أي أمهلتهم حتى انصرمت حبال آجالهم (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) بعذاب الاستئصال (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (٤٤) أي فانظر يا سيد الرسل كيف كان تغييري عليهم ، فإن الله غيّر حياتهم بإهلاكهم بعذاب الاستئصال وعمارتهم بالخراب (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها).
وقرأ أبو عمرو ويعقوب «أهلكتها» على وفق «فأمليت» ثم «أخذتهم» ، أي فأهلكنا كثيرا من القرى بإهلاك أهلها ، (وَهِيَ ظالِمَةٌ) أي كافرا أهلها. وهذه جملة حالية من مفعول أهلكنا (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) أي فهي ساقطة حيطانها على سقوفها ، بأن خرت سقوفها على الأرض ، ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف ، أو فهي خالية عن الناس مع بقاء عروشها ، وهذه معطوفة على «أهلكناها» فلا محل لها من الاعراب إن جعلت أهلكناها مفسرة لمضمر ناصب لـ «كائن» ، ومحلها رفع إن جعل خبرا لـ «كأين» (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) أي وكم بئر عامرة كثيرة الماء متروكة لا يستسقى منها لهلاك أهلها. (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (٤٥) أي مرفوع البنيان أو مجصص أخليناه عن ساكنه.
روى أبو هريرة أن هذه البئر نزل عليها صالح مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به ونجاهم الله تعالى من العذاب وهم بـ «حضرموت» وإنما سميت بذلك لأن صالحا حين حضرها مات. ثمّ وثمّ بلدة عند البئر اسمها «حاضورا» بناها قوم صالح ، وأمّروا عليها حاسر بن جلاس ، وجعلوا وزيره سنجاريب وأقاموا بها زمانا ثم كفروا وعبدوا صنما وأرسل الله تعالى إليهم حنظلة بن صفوان نبيا فقتلوه في السوق ، فأهلكهم الله تعالى وعطّل بئرهم ، وخرّب قصورهم. وعلى هذا فالمراد بالبئر بئر بسفح جبل بحضرموت وبالقصر مشرف على قلته (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي أغفل أهل مكة فلم يسافروا في تجاراتهم (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) ما يجب أن يعقل من التوحيد بسبب ما شاهدوه من مواد الاعتبار (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) ما يجب أن يسمع من أخبار الرسول (فَإِنَّها) الضمير للقصة يفسره ما بعده (لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٤٦) أي ليس الخلل في مشاعرهم ، وإنما هو في عقولهم ، باتباع الهوى والانهماك في الغفلة ، والاعتماد في التقليد (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) أي تطلب قريش كالنضر بن الحرث أن تأتيهم بالعذاب عاجلا استهزاء بك وتعجيزا لك على زعمهم. وكان رسول الله يهددهم بنقمات الله دنيا وأخرى ، وهم يقولون : إن ما حذرتنا به لا يقع ، وإنه لا بعث ، فذكر الله تعالى نزول العذاب بهم في الدنيا والآخرة بقوله تعالى : (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) في إنزال العذاب بكم في الدنيا ، وقد أنجز الله وعده يوم بدر ، فقتل منهم سبعون ، وأسر منهم سبعون (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٤٧) أي وإن يوما من أيام عذابكم في الآخرة كألف سنة من سني الدنيا في كثرة الآلام وشدتها ، فلو عرفوا حال عذاب الآخرة أنه بهذا الوصف لما استعجلوه.