قالت قريش : ندم محمد على ذكر منزلة آلهتنا عند الله فغير ذلك ، وكانت الكلمتان اللتان زادهما الشيطان في قول نبينا صلىاللهعليهوسلم قد وقعتا في فم كل مشرك ، فازدادوا شرا على ما كانوا عليه ، وشدة على من أسلم. (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي الذين رزقوا حسن بصيرة الذين يميزون بها بين الحق والباطل ، (أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أي أن القرآن هو الحق النازل من عند ربك (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) أي فيثبتوا على الإيمان بالقرآن ، (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) أي فتنقاد قلوبهم بالقبول لما في القرآن من الأوامر والنواهي. (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا) في الأمور الدينية (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٤) أي إلى نظر صحيح موصل إلى الحق الصريح (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) أي في شك من القرآن (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) أي القيامة نفسها (بَغْتَةً) أي فجأة من دون أن يشعروا (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) (٥٥) أي عذاب يوم لا يوم بعده فيستمر ذلك اليوم كاستمرار المرأة على تعطل الولادة. (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ) أي في يوم عقيم (لِلَّهِ) وحده فلا يكون فيه لأحد تصرف من التصرفات في أمر من الأمور لا حقيقة ولا مجازا ولا صورة لأحد ولا معنى كما في الدنيا ، فإنه تعالى ملك فيها الأمور غيره صورة (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) ، أي بين المؤمنين بالقرآن والممارين فيه ، (فَالَّذِينَ آمَنُوا) امتثالا بما أمروا فيه (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٥٦) يكرمون بالتحف فضلا من الله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي أصروا على ذلك (فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٥٧) ، أي شديد بسبب معاصيهم. أما إعطاء الثواب فبفضل الله لا بأعمالهم كما هو حكمة ذكر الفاء وتركه في الجانبين (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي هاجروا إلى المدينة لنصرة الرسول صلىاللهعليهوسلم وللتقرب إلى الله تعالى (ثُمَّ قُتِلُوا) أي قتلهم العدو.
وقرأ ابن عامر بتشديد التاء (أَوْ ماتُوا) في سفر أو حضر من غير قتل (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) لا ينقطع أبدا من نعيم الجنة لاستواء النوعين في القصد وأصل العمل.
وروي أن بعض أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم قالوا : يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونحن نجاهد معك ، كما جاهدوا ، فما لنا إن متنا معك! فنزلت هذه الآية : (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (٥٨) فإن ما يرزقه لا يقدر عليه أحد غيره والرزق الصادر منه لمحض الإحسان وإن غيره إنما يدفع الرزق من يده ليد غيره ولا يفعل نفس الرزق ، ويرزق لانتفاعه إما لأجل خروجه عن الواجب أو لأجل أن يستحق بالإعطاء ثناء أو عوضا ، أو لأجل الرقة الجنسية. وأما الله تعالى فإن كماله صفة ذاتية له فلا يستفيد من أحد كمالا زائدا فهو يرزق بغير حساب (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) بأن يدخلهم الجنة من غير مكروه تقدم إدخالا فوق ما يتمنونه ومدخلا فوق الذي يهوونه.
وقيل : هو خيمة من درة بيضاء لا فصم فيها ولا وصم ، لها سبعون ألف مصراع. وقال ابن عباس : إنهم يرون في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر فيرضونه ولا يبغون عنها حولا.