وقرأ نافع «مدخلا» بفتح الميم أي مكانا. (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ) بما يرضونه وبما يستحقونه فيعطيهم ذلك في الجنة ويزيدهم. (حَلِيمٌ) (٥٩) فلا يعجل من عصاه بالعقوبة لتقع التوبة منه فيستحق الجنة. (ذلِكَ) أي الأمر ذلك الذي قصصناه عليك من إنجاز الوعد للمهاجرين الذين قتلوا أو ماتوا (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) أي والذي قاتل من كان يقاتله من الكفار ، ثم إن القاتل ظلم عليه بأن ألجئ إلى مفارقة الوطن ، وابتدئ بالقتال لينصرن الله المظلوم على الظالم. قوله : (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) الباء الأولى : للآلة ، والثانية : للسببية. والعقاب مأخوذ من التعاقب. وهي مجيء الشيء بعد غيره.
قال مقاتل : نزلت هذه الآية في قوم من المشركين لقوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم. فقال بعضهم لبعض : إن أصحاب محمد يكرهون القتال في الشهر الحرام ، فاحملوا عليهم ، فناشدهم المسلمون أن يكفوا عن قتالهم لحرمة الشهر فأبوا ، وقاتلوهم ، وثبت المسلمون لهم فنصروا عليهم فحصل في أنفس المسلمين من القتال في الشهر الحرام شيء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) عن هذه الإساءة (غَفُورٌ) (٦٠) لهم ما صدر عنهم من ترجيح الانتقام على العفو والصبر المطلوب إليهما وإنما عفا عنهم ذلك مع كونه محرما إذ ذاك ، لأنهم فعلوه دفعا للصائل فكان من نوع الواجب عليهم. وهذا تنبيه على أنه تعالى قادر على العقوبة ، إذ لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده (ذلِكَ) أي النصر بسبب أنه تعالى قادر ، ومن آيات قدرته كونه خالق الليل والنهار فذلك قوله تعالى : (بِأَنَّ اللهَ) تعالى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي بسبب أن الله تعالى يزيد في أحد الملوين ما ينقص من الآخر من الساعات أو يحصل ظلمة أحدهما في مكان ضياء الآخر وعكسه ، (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) بكل المسموعات (بَصِيرٌ) (٦١) بجميع المبصرات أي أن الله كما يقدر على ما لا يقدر عليه غيره ، فكذلك يدوم الاتصاف بالسمع والبصر فلا يحتاج لسمعه إلى سكون الليل ولا لبصره إلى ضياء النهار (ذلِكَ) أي الإنصاف بكمال القدرة والعلم (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) أي الثابت الذي يمتنع عليه التغير في ذاته وصفاته فعبادته هو الحق (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ) أي وأن ما يعبده المشركون من غير الله هو الباطل ألوهيته ، وأنه معدوم في حد ذاته.
وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر ، وشعبة بالتاء على خطاب المشركين. وقرئ بالبناء للمفعول على أن «الواو» عائد لـ «ما» فإنه كناية عن الآلهة (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٦٢) أي وأن الله هو القاهر الذي لا يغلب القادر على الضر والنفع العظيم في سلطانه الذي لا تدرك حقيقته (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تعلم أيها المخاطب (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) أي فتصير الأرض نامية بما فيه رزق العباد وعمارة البلاد (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) أي رحيم بعباده في إخراج النبات (خَبِيرٌ) (٦٣) أي عالم بمقادير مصالحهم ، وبما في قلوبهم (لَهُ ما فِي