السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فكل ذلك منقاد له. وهو تعالى غير ممتنع من التصرف فيه (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٦٤) أي الغني عن الأشياء كلها ، لأنه كامل لذاته والكامل لذاته غني عن كل ما عداه في كل الأمور ، ولكنه لما خلق الحيوان خلق الأشياء رحمة للحيوانات ، لا لحاجة إلى ذلك وكان إنعامه تعالى خاليا عن غرض عائد إليه فكان مستحقا للحمد فوجب أن يكون حميدا (أَلَمْ تَرَ) أيها المخاطب (أَنَّ اللهَ) تعالى (سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) أي جعل ما فيها معدا لمنافعكم فلا أصلب من الحجر ، ولا أشد من الحديد ولا أهيب من النار وهي مذللة لكم ، وذلل لكم الحيوانات حتى تنتفعوا بها من حيث الأكل والركوب والحمل عليها ، والانتفاع بالنظر إليها فلولا تسخيره تعالى الإبل والبقر والخيل لما انتفع بها أحد (وَالْفُلْكَ) معطوف على ما أو على اسم «أن» (تَجْرِي فِي الْبَحْرِ) حال من الفلك أو خبر (بِأَمْرِهِ) أي بإذنه فلولا أن الله سخر السفن بالماء والرياح لجريها لكانت تغوص أو تقف (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) أي ويمنع السماء من أن تقع على الأرض (إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي إلا بمشيئته وذلك يوم القيامة ، لأن النعم المتقدمة لا تكمل إلا بإمساك السماء من السقوط ، لأنه جرم ثقيل مسكن الملائكة لا بد له من السقوط لولا مانع يمنع منه وهو القدرة ، فأمسكها الله بقدرته لئلا تقع (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٦٥) حيث هيأ لهم أسباب معاشهم ، وفتح عليهم أبواب المنافع وأوضح لهم مناهج الاستدلال بالآيات التكوينية والتنزيلية (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) بعد أن كنتم نطفا ، بعد أن كنتم معدومين (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء آجالكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) يوم القيامة للثواب والعقاب (إِنَّ الْإِنْسانَ) أي المشرك كبديل بن ورقاء الخزاعي والأسود بن عبد الأسد ، وأبي جهل ، والعاص بن وائل ، وأبيّ بن خلف. (لَكَفُورٌ) (٦٦) أي جحود لنعم الله مع ظهورها حيث ترك توحيده تعالى (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) أي لكل أمة معينة وضعنا شريعة خاصة تلك الأمة المعينة عاملون بها ، فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث نبينا منسكهم الإنجيل ، هم عاملون به لا غيرهم. وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبي ومن بعدهم إلى يوم القيامة فهم أمة واحدة منسكهم الفرقان ليس إلا (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) أي يجب على أرباب الملأ أن يتبعوك وأن يتركوا مخالفتك في أمر الدين وقد استقر الأمر الآن على شرعك (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي ادعهم إلى شريعتك ولا تخص بالدعاء إلى توحيد ربك أمة دون أمة فكلهم أمتك. (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) (٦٧) أي على أدلة دين واضحة موصلة إلى الله تعالى ، (وَإِنْ جادَلُوكَ) أي إن عدلوا عن النظر في هذه الأدلة إلى طريق المجادلة والتمسك بالعادة (فَقُلِ) لهم على سبيل التحذير من حكم يوم القيامة ، الذي يتردد بين جنة لمن قبل ونار لمن أنكر : (اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) (٦٨) من المجادلة الباطلة وغيرها. (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) أي يفصل بين المؤمنين منكم والكافرين (يَوْمَ الْقِيامَةِ) بالثواب والعقاب (فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٦٩) من أمر الدين ، فتعرفون حينئذ