لا يَشْعُرُونَ) (٥٦) حتى يتفكروا في ذلك الإمداد أهو استدراج أم مسارعة في الخير أي فهم أشباه البهائم لا فطنة لهم. (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) (٥٧) أي إن الذين هم من خوف عذاب ربهم حذرون من أسباب العذاب دائمون في طاعته جادون في طلب مرضاته (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ) المنصوبة والمنزلة (يُؤْمِنُونَ) (٥٨) أي يصدقون بأن يستدلوا بهذه المخلوقات على وجود الصانع ويصدقوا بأن ما في القرآن حق من ربهم ، (وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ) (٥٩) بأن يكون العبد مخلصا في العبادة لا يقدم عليها إلا لطلب رضوان الله تعالى ومن الشرك ملاحظة الخلق في الرد والقبول ، والفرح بمدحهم ، والانكسار بذمهم ، وقصور النظر في المسار والمضار على الأسباب عند انقطاع النظر عن المسبب ، الذي هو الله تعالى كنظر حصول الشفاء من الدواء والشبع من الطعام ، وليس المراد من عدم الإشراك هنا نفي الشريك لله تعالى ، لأن ذلك داخل في ما تقدم (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أي والذين يعطون ما أعطوه من الصدقات ، والحال أن قلوبهم خائفة أشد الخوف (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) (٦٠). وقرأت عائشة وابن عباس ، والحسن ، والأعمش «يأتون ما أتوا» من الإتيان ، أي ويفعلون ما فعلوه من الطاعات ، والحال أن قلوبهم خائفة من رجوعهم إلى ربهم فلا يقبل منهم ذلك ، ولا يقع على الوجه اللائق فيؤاخذوا به حينئذ. وهذا مناط الوجل.
وقرأ الأعمش «إنهم» بكسر الهمزة على الاستئناف (أُولئِكَ) أي أهل هذه الصفات الأربعة (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها) أي يناولون في الدنيا أنواع النفع ووجوه الإكرام (وَهُمْ لَها سابِقُونَ) (٦١) أي هم فاعلون السبق لأجل الخيرات أي ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا وهذه الجملة مؤكدة لما قبلها وتفيد معنى الثبوت بعد ما تفيد معنى التجدد وقوله أولئك خبر عن أن الذين إلخ وقرئ يسرعون في الخيرات (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي عادتنا جارية على أن لا نكلف نفسا من النفوس إلا ما في طاقتها أي فإن الله تعالى لا يكلف عباده إلا ما في وسعهم فإن لم يبلغوا في فعل الطاعات مراتب السابقين فلا عليهم بعد أن يبذلوا طاقتهم (وَلَدَيْنا كِتابٌ) أي صحائف الأعمال التي يقرءونها عند الحساب (يَنْطِقُ بِالْحَقِ) أي يظهر المطابق للواقع ، فأعمال العباد كلها مثبتة في صحائفهم فلا يضيع لعامل جزاء عمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر. (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٦٢) في الجزاء بنقص ثواب أو بزيادة عقاب (بَلْ قُلُوبُهُمْ) أي الكفرة (فِي غَمْرَةٍ) أي غفلة (مِنْ هذا) الذي بيناه في القرآن من أن لدينا ديوان الحفظة الذي يظهر لهم أعمالهم السيئة على رؤوس الأشهاد فيجزون بها ، (وَلَهُمْ) أي الكفار (أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ) أي أعمال سيئة غير كون قلوبهم في غفلة عظيمة مما ذكر ، وهي فنون معاصيهم كطعنهم في القرآن وإقامة إمائهم في الزنا (هُمْ لَها عامِلُونَ) (٦٣) هم مستمرون على أعمال سيئة (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) أي أكابرهم الذين أمدهم الله تعالى بالمال والبنين (بِالْعَذابِ) أي الأخروي (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) (٦٤) أي يرتفع صوتهم